حرب سوريا دخلت يوم 15 مارس (آذار) عامها الثاني عشر من دون أن يحسمها أي طرف، لا داخلي ولا خارجي. والمشهد، بحسب الموفد الدولي غير بيدرسون، هو "جمود استراتيجي" بعدما انتهت "مرحلة العمليات العسكرية" كما أبلغه الأطراف. وفي التقييم السنوي لأجهزة الاستخبارات الأميركية، أنه "من المرجح استمرار الصراع والتدهور الاقتصادي والأزمة الإنسانية خلال السنوات المقبلة". النظام بات يسيطر على 65 في المئة من الأرض في "قلب سوريا"، ويتصرف كمنتصر بعدما بقي برئيسه ورجاله وأجهزته وسياساته بدعم روسي- إيراني. المعارضون ليسوا موحدين ويرفضون الاعتراف بأنهم خسروا. الكرد تحت حماية أميركا يسيطرون على 23 في المئة من مساحة سوريا شرق الفرات، وتحتفظ أميركا بقاعدة "التنف"على الحدود السورية-العراقية-الأردنية. والباقي تحتله تركيا في الشمال ومعها ميليشيات سورية تابعة لها، في حين تسيطر "هيئة تحرير الشام" المتطرفة بزعامة أبي محمد الجولاني على محافظة إدلب. روسيا في قاعدتين عسكريتين جوية وبحرية على الساحل، كما في محيط دمشق ودرعا. إيران تتوسع مع ميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية عسكرياً من البوكمال قرب الحدود مع العراق إلى تدمر وقاعدة "تي فور" قرب حمص في الوسط، ثم إلى مقربة من الجولان، كما في منطقة السيدة زينب قرب دمشق. فضلاً عن توسعها الاقتصادي والاجتماعي وتغلغلها الثقافي. "داعش" لا يزال في البادية السورية وأماكن أخرى، ويقوم بعمليات عسكرية ضد قوات النظام. وإسرائيل لا تزال تقصف من الجو القوات الإيرانية والميليشيات والمراكز والأسلحة التابعة لها، ضمن تفاهم إسرائيلي- روسي. الموفد الدولي بيدرسون، وهو الثالث منذ بداية الحرب، لا يزال يبحث عن "شكل دولي جديد" لفتح باب التقدم نحو التسوية السياسية ضمن مقاربة "خطوة مقابل خطوة" يرفضها النظام والمعارضون حتى الآن. وكل ما يعمل عليه حالياً هو اجتماعات متباعدة لأعضاء "اللجنة الدستورية" التي لم تتقدم خطوة واحدة حتى الآن في مناقشة الدستور. فالظروف تبدلت من حول القرار 2254 الذي يراد صنع التسوية السياسية على أساسه: الوضع تجاوز الأزمة بين طرفين هما نظام ومعارضة لا تكفي التسوية السياسية بينهما للحل. ولا بد من "تسويات" على النفوذ الإقليمي والدولي بين أميركا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل. وكل ذلك في طريق مسدود. أميركا وإسرائيل تراهنان على إخراج إيران من سوريا بمساعدة روسيا. إيران تتصرف على أساس أنها هي الباقية في سوريا وتطالب بانسحاب تركيا، وتطلب مع سوريا انسحاب أميركا. تركيا تحلم بتوسيع المنطقة التي تسيطر عليها للوصول إلى حلب من جهة وضرب الكرد شرق الفرات من جهة أخرى. دمشق تقول إن "موسكو رفضت عرضاً أميركياً لمقايضة سوريا بأوكرانيا". والانطباع السائد حتى في موسكو أن دمشق تتهرب من التسوية السياسية لأن النظام يرفض المشاركة. وهذا يعني استمرار الجمود السياسي والانهيار الاقتصادي. روسيا وإيران قادرتان على التدمير، لا على إعادة الإعمار. وأميركا والاتحاد الأوروبي مصران على "ثلاث لاءات": "لا تطبيع مع دمشق، لا مساهمة في إعادة الإعمار، ولا رفع للعقوبات حتى تحقيق تقدم في العملية السياسية بموجب القرار 2254". والتراجيديا الإنسانية تتعمق. 90 في المئة من السوريين في"فقر متعدد الأبعاد"، بحسب الأمم المتحدة. 12 مليون سوري بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج. الخسائر تجاوزت نصف تريليون دولار. وكما كانت الأطراف الإقليمية والدولية "تصدّر" إلى سوريا مقاتلين وإرهابيين، فإن سوريا صارت "تصدّر" متطوعين ومرتزقة. بعضهم أرسلتهم تركيا إلى القتال في ليبيا وقره باغ إلى جانب أذربيجان، وبعضهم الآخر تسميهم روسيا "متطوعين" للقتال مع قواتها في أوكرانيا. والأخطر هو أن الأزمة السياسية التي كانت سبب اندلاع ثورة تحولت إلى حرب، صارت أسوأ من دون أمل في حل يلوح في الأفق. وليس قليلاً ما يخسره العالم العربي في مجالات القوة والتوازن والدور جرّاء تحول سوريا التي كانت "قلب العروبة النابض" من لاعب إقليمي إلى ملعب إقليمي ودولي.
مشاركة :