في ظل الأحداث المتلاحقة التي يعيشها العالم من جائحة فيروس كورونا المستجد إلى الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وتداعياتها من ارتفاع أسعار النفط إلى نقص إمدادات الغذاء، يبدو أن هناك العديد من الأزمات السياسية والإنسانية التي قد تسقط من دائرة اهتمام العالم، ومنها أزمة دولة جنوب السودان التي تعاني من الحروب والصراعات الأهلية منذ حصولها على الاستقلال عن دولة السودان عام 2011. ويقول دانيال سوليفان المحلل الأميركي ونائب مدير منظمة "اللاجئين الدولية" لشؤون أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط في تحليل نشرته مجال ناشونال إنترست الأميركية: إن جنوب السودان قد تصبح الأزمة العالمية الجديدة القادمة لتضاف إلى قائمة الأزمات المشتعلة في العالم. فالتوترات في الدولة الناشئة تتزايد مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية وموعد الانتخابات المقررة في 2023، مما يثير المخاوف من تجدد أعمال العنف التي شهدتها البلاد في السنوات السابقة وأودت بحياة أكثر من 380 ألف شخص، ومن المحتمل تزايد عمليات العنف والتشريد وانتشار الجوع جنوب السودان خلال العام المقبل. ومع تجديد مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان مؤخرا، يجب الإشارة إلى همية دعم هذه المهمة من جانب الولايات المتحدة والدول الأخرى إذا كان لها أن تنجح في تلبية المطالب المتزايدة، لتنفيذ اتفاقية السلام التي تم التوصل إليها في جنوب السودان عام 2018، مع الحاجة الأشد إلحاحا لحماية أرواح المدنيين، وعلى العالم ألا يتجاهل الأزمة الإنسانية الطاحنة التي تعيشها جنوب السودان حيث ما زال حوالي ثلث السكان مشردين والثلثان يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية. ويرى سوليفان أن هناك ثلاثة أمور مطلوبة لكي تمضي جنوب السودان قدما في طريق السلام. أول هذه الأمور هو استمرار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في حماية المدنيين في جنوب السودان، رغم معاناتها من نقص الموارد وزيادة الاحتياجات لدعم بنود اتفاقية السلام التي تأخر تنفيذها في الوقت الذي يتم فيه وضع مسودة دستور جديد للبلاد والاستعداد لإجراء الانتخابات، وتشكيل جيش موحد للدولة. وتتضمن مهمة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام حماية المدنيين ودعم السلام وتوفير الظروف الآمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين ومراقبة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني والإبلاغ عنها. وستصبح حماية مواطني جنوب السودان مهمة أشد صعوبة خلال الفترة المقبلة، في ظل تزايد التوترات نتيجة المناورات السياسية التي تسبق الانتخابات المقررة في العام المقبل. والحقيقة أن النخبة السياسية في جنوب السودان تواصل خلق جيوب للعنف في البلاد. ومع ذلك نجحت بعثة الأمم المتحدة في تحقيق بعض النجاح على صعيد تهدئة أعمال العنف من خلال إقامة 125 قاعدة عمليات مؤقتة في المناطق الساخنة المحتملة لقطع الطريق على نشوب العنف فيها. الأمر الثاني المطلوب لحماية السلام في جنوب السودان يتعلق بضرورة توفير المانحين الدوليين للمساعدات الإنسانية اللازمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة في البلاد، وتواجه جنوب السودان بالفعل أعلى مستويات نقص الغذاء منذ استقلالها في 2011. ويحتاج حوالي 8,9 ملايين شخص من إجمالي 12,4 مليون نسمة يعيشون في السودان إلى المساعدات الإنسانية، نصفهم من الأطفال. وتزداد حدة أزمة الغذاء في البلاد نتيجة استمرار العنف وعمليات التشريد واسعة النطاق للسكان وانهيار الاقتصاد، وازداد الأمر سوءا نتيجة جائحة فيروس كورونا المستجد والفيضانات وموجات الجفاف الأخيرة، إلى جانب مشاكل البيروقراطية وغياب الأمن الذي يعرقل تدفق المساعدات. كما أنه من المتوقع تزايد ممارسات سلطات البلاد في وضع يدها على المساعدات الدولية مع قرب الانتخابات لاستخدامها في الدعاية السياسية، ولكن هذا لا يعني خفض تلك المساعدات التي يحتاجها المواطنون وإنما يعني ضرورة بذل جهد دولي أكبر لضمان وصول أكبر قدر من المساعدات إلى المحتاجين. ويقودنا هذا إلى النقطة الثالثة المطلوبة لضمان السلام في جنوب السودان وهي ضرورة الاهتمام الدبلوماسي بملف جنوب السودان من جانب الولايات المتحدة وشركائها الرئيسيين وبخاصة النرويج وبريطانيا ودول جوار جنوب السودان. أخيرا، تعاني جنوب السودان من الحرب طوال أغلب سنوات استقلالها العشر. ويجب الاستفادة من تجديد مهمة بعثة الأمم المتحدة هناك في هذا العام الحاسم لتطبيق معاهدة السلام، من أجل قطع الطريق على تجدد أعمال العنف والوصول إلى النهاية المرجوة للمرحلة الانتقالية.
مشاركة :