إنها ذاكرة المكان (الجغرافيا الأدبية) أي حدث، وأي وجود محمول بثنائية الزمان والمكان. وموجات الأثير تحتفظ بالصوت والصورة أزليا، وقد يكون هو كتاب المكلف، إن لم يأت نص يقطع صوت كل مفسر، فالله المؤوِّل الحق، الذي لا يعزب عن علمه شيء. المبدع، والمتحدث بعفوية يروون الحدث، وآثاره المترتبة على وجودهم، ومنطلقهم المكان. لقد عرفنا مسارح الشعراء السياسيين، والغزليين، وراق لنا وصف ملاعبهم، وآثارهم، ذلك كله تحول إلى تاريخ مليء بالأحداث والحوادث. لو قرأنا موسوعات الأدب كـ (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، و(معجم الأدباء) لياقوت الحموي. وفي العصر الحديث (تاريخ الأدب العربي) لشوقي ضيف لوجدناها تعول على الظرفين: الزماني، والمكاني، ولوجدنا أمكنة ثرية بالأحداث والحوادث، حتى إن بعض الأماكن تميزت ببعد دلالي، كالتصرف، والغزل العذري، والغناء. ومن أوهام (شوقي ضيف) القول إن الحرمين موطن الغناء، والمغنين. لقد خلد الشعر بكل أبعاده الدلالية أمكنة أصبحت معالم أثرية كـ(الرامتين) و(جبل التوباد). أستاذنا وصديقنا المحقق (عبدالعزيز المانع) أنجز مشروعاً أدبياً تتبع مسار أبي الطيب المتنبي من مصر إلى المدئن (على خطى المتنبي) ومن قبلة العلامة حمد الجاسر حاول تتبع طريق الهجرة. هذا الجهد المتميز أرخ لأمكنة انطوت على آثار حافلة بجلائل الأعمال. إنها ذاكرة المكان وكتب الرحالة كـ(ابن بطوطة) و(ابن جبير) خلدت أمكنة حافلة بجليل المعاني. ودعك من رحلات الحج، التي تعد بالعشرات وهي كتب تحكي شق الأنفس التي يواجهها الحجاج. ما تحمد الله عليه تمهيد السبل، وتأمين الطرق في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. أذكر أن هناك كتاباً عن (الجغرافيا الأدبية) وهو من ضمن كتب مكتبتي، أتمنى العثور عليه لإتحاف القارئ بشيء منه. إنها بحق ذاكرة منسية، حاضرة، غائبة.
مشاركة :