قبل شهرين من الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي بدأت مظاهراتها كاحتجاج على ممارسات الشرطة بالتزامن مع احتفالها بعيدها، ارتفع منسوب الغضب في البلاد خلال الأيام الماضية على خلفية اتهام ضباط وأمناء شرطة بقتل مواطنين وانتهاك حقوق آخرين. وقالت عايدة سيف الدولة مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب لـ«الشرق الأوسط» أمس إن تلك الممارسات ممنهجة وتعبر عن سياسة متبعة، وهو أمر ترفضه وزارة الداخلية، التي قالت في بيان لها أمس إنها «لن تتهاون مع التجاوزات الفردية، ولن تسمح لبعض التصرفات والأفعال الفردية بأن تنال من التاريخ العريض للشرطة المصرية». وتظاهر مواطنون غاضبون في الأقصر (أقصى جنوب البلاد) احتجاجا على قتل سائق على يد ضابط شرطة، كما شهدت الإسماعيلية (شمال شرقي القاهرة)، احتجاجات مماثلة على خلفية مقتل طبيب بيطري في مركز احتجاز. كانت قوة من قسم شرطة الأقصر ألقت القبض على طلعت الرشيدي (47 عاما) بمنطقة العوامية الأربعاء الماضي واقتادته إلى قسم الشرطة، وفوجئت عائلته بتلقيها نبأ نقله إلى مستشفى الأقصر الدولي بعد أن فارق الحياة وفق تقرير صادر من المستشفى، مما تسبب في اندلاع موجة من المظاهرات الغاضبة. وألقت قوات الأمن القبض على الرشيدي أثناء جلوسه على أحد المقاهي، وقالت إنه كان يحمل شريطا لعقار مخدر. وعقب موجة الاحتجاجات أكدت مديرية أمن الأقصر، في بيان لها أن قياداتها، وعددا من الضباط والأفراد، سيرفعون لافتات اعتذار عن الواقعة، ويذهبون بها إلى أهالي الضحية لتقديم واجب العزاء. وفي الإسماعيلية، اقتحم ضابط ومعاون مباحث قسم شرطة أول في مدينة الإسماعيلية صيدلية بمنطقة المحطة الجديدة، وتعديا على الدكتور عفيفي حسن وهو طبيب بيطري كان يدير صيدلية مملوكة لزوجته. وقالت مديرية أمن الإسماعيلية إن الطبيب وزوجته متهمان في قضية إحراز مواد مخدرة العام الماضي، وإن الضابط توجه إلى الصيدلية بناء على إخبارية بقيامهم ببيع مواد مخدرة داخلها. لكن النيابة العامة بالإسماعيلية قررت، أمس، حبس الملازم محمد إبراهيم، صاحب واقعة التعدي على الطبيب، 4 أيام على ذمة التحقيق، بعد احتجاجات شعبية، بعد أن كانت قد أخلت سبيل الضابط. ونشر الدكتور صفوت أحمد، نقيب الصيادلة بالإسماعيلية، شهادته حول واقعة القبض على الطبيب المتوفى، مؤكدا أنه تعرض للانتهاك، وبث مقطع مصور التقطته كاميرات المراقبة داخل الصيدلية للحظة القبض على الطبيب. وأدت الواقعة أيضا لتظاهرات غاضبة احتجاجا على ممارسات الشرطة. وقال عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه الحكومي) لـ«الشرق الأوسط» أمس إن المجلس شكل لجنة تقصي حقائق في واقعتي الأقصر والإسماعيلية، لافتا إلى أن أعضاء بالمجلس زاروا بالفعل مراكز الاحتجاز بالأقسام في وقت سابق، ولاحظوا أنها مكدسة فوق طاقتها بنحو 4 مرات، الأمر الذي مثل خطرا على المرضى من المحتجزين في ظل ظرف صحي سيئ. وأشار شكر إلى أن المجلس لديه شكوك أيضا في وجود حالات تعذيب بسبب ما سماه «ضغوطا» للحصول على معلومات، في إشارة على ما يبدو إلى مساعي الشرطة لتعقب خلايا إرهابية تنامت أنشطتها خلال العامين الماضيين. وترفض سيف الدولة هذا التفسير، وتقول إن ملاحظات مركز النديم تشير إلى أن عمليات التعذيب داخل أقسام الشرطة لا تقتصر على المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية. وتتساءل سيف الدولة: «هل يشتري الضباط أدوات التعذيب المنتشرة في أقسام الشرطة على نفقتهم الخاصة.. لا شك عندي أنها ممارسة ممنهجة لتعامل الشرطة مع المواطنين بشكل عام». وأضافت سيف الدولة أن المركز لم يسجل حالات عوقب فيها الضباط الذين ارتكبوا وقائع التعذيب خلال الفترة الماضية، لافتة إلى الإشكالية الأكبر أن هؤلاء الضباط يعودون إلى ممارسة عملهم في وزارة الداخلية؛ إذ لا يعتبر القانون المصري جريمة التعذيب جريمة مخلة بالشرف، مشددة على حاجة البلاد لتعديل تعريف التعذيب في القانون المصري. وسجل مركز النديم خلال شهر أغسطس (آب) الماضي فقط 56 حالة وفاة داخل مراكز الاحتجاز من بينها 4 حالات نتيجة التعذيب و23 حالة نتيجة الإهمال الطبي وحالة انتحار واحدة. وقالت وزارة الداخلية في بيان لها أمس إنه «لا تهاون مع أي تجاوزات فردية تقع من بعض رجال الشرطة، ولا تعبر بأي حال من الأحوال عن طبيعة العمل الوطني الذي يقوم به رجال الشرطة.. وإن العقيدة الراسخة في وجدانهم هي التضحية بالغالي والنفيس دفاعًا عن أمن الوطن والمواطنين، والالتزام باحترام نصوص وروح القانون في كل المهام الموكلة لهم، والمحافظة على الكرامة الإنسانية واحترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقًا للدستور والقانون». وأضاف البيان الذي نشر على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية أمس أن الوزارة «لن تسمح لبعض التصرفات والأفعال الفردية بأن تنال من التاريخ العريض للشرطة المصرية في العمل الوطني وتضحيات رجالها الأبطال في مواجهة الإرهاب الذين قدموا وما زالوا في سبيل القضاء عليه الآلاف من المصابين والمئات من الشهداء». وكانت تقارير طبية صادرة عن مصلحة الطب الشرعي قد أكدت وفاة 90 متهما داخل مقار الاحتجاز في أقسام ومراكز الشرطة في القاهرة والجيزة فقط، في الفترة من يناير وحتى 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بزيادة قدرها 25 حالة وفاة عن عام 2013 الذي شهد وفاة 65 متهما داخل مراكز الاحتجاز. وسجلت منظمة العفو الدولية في تقرير لها وفاة ما لا يقل عن 80 مواطنا داخل أقسام الشرطة خلال الفترة من يونيو (حزيران) 2013 - يونيو 2014، بينما ذكرت حملة «أنا ضد التعذيب» المحلية في تقريرها السنوي عن عام 2013 وجود 250 واقعة تعذيب داخل السجون المصرية، منها 64 واقعة أودت بحياة 114 سجينا. وأظهرت مقاطع مصورة بثت على الإنترنت تعرض مواطنين للضرب على أيدي أفراد من الشرطة في مدن ومحافظات مختلفة، من بينها واقعة اعتداء رئيس مباحث في مدينة الفيوم (جنوب القاهرة) على أحد أصحاب محال الهواتف النقالة، كما بث نشطاء واقعة اعتداء أفراد شرطة على سائق في منطقة الأهرام بمحافظة الجيزة المتاخمة للقاهرة. ويحذر مراقبون من تنامي ظاهرة انتهاكات ضباط الشرطة حقوق الإنسان، ومن موجة غضب أخرى مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير.
مشاركة :