تزكية رسمية لتنامي دور المؤسسة العسكرية في إدارة الشأن العام بالجزائر

  • 3/19/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صرّح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على هامش احتفالية بالذكرى الستين لعيد النصر المصادف للتاسع عشر من مارس بأن “الجيش والدبلوماسية هما وجهان لعملة واحدة تتمثل فـي السيادة الوطنية”، وهو ما يترجم رفع دوائر السلطة الحرج عن دور المؤسسة العسكرية في إدارة الشأن العام كغيرها من المؤسسات الرسمية للدولة، وهو ما يعكس النفوذ المتنامي للمؤسسة وحضورها اللافت في مختلف المحطات. وأوضح لعمامرة أن “رمزية تولي الشهيد كريم بلقاسم رئيس الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان لمنصب أول وزير دفاع وثاني وزير للخارجية في الجزائر المستقلة تعكس قاعدة أن الجيش والدبلوماسية وجهان لعملة واحدة، ألا وهي الاستقلال، الحرية والسيادة الوطنية”. وإذ لا يختلف اثنان في الجزائر على دور جيش التحرير الوطني في المعركة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، فإن عودة الحديث عن دوره واقترانه بالدبلوماسية في تحقيق الاستقلال الوطني هو خطاب لا يريد تكرار وقائع تاريخية، بقدر ما يعتبر تمهيدا لرفع الحرج الذي لاحق المؤسسة طيلة العقود الماضية حول دورها ونفوذها في إدارة الشأن العام. وظلت المؤسسة العسكرية توصف بـ”الحاكم الخفي” للبلاد إلى غاية انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون في نهاية العام 2019، ويبدو أنها تتجه لتحقيق مكاسب جديدة في هذا الشأن بعد توسيع صلاحياتها بموجب دستور العام 2020، وهو ما تجلت معالمه في حضورها الدائم في مختلف محطات الشأن العام بما فيها الاستحقاقات الانتخابية والخيارات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. وباتت مواقف المؤسسة العسكرية تتعدى حدود الأمن والدفاع الوطني إلى الخوض في مختلف المسائل، وحتى حضور قائد الأركان الجنرال سعيد شنقريحة صار مرادفا لرأس الدولة، فكما توجه الرئيس تبون برسالة للجزائريين بمناسبة عيد النصر توجه أيضا الجنرال شنقريحة برسالة مماثلة إلى أفراد ومنتسبي المؤسسة العسكرية. وأبرز لعمامرة في أول ظهور له على القناة الدولية “ألـ 24” أن “الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان التي أفضت إلى قرار وقف إطلاق النار أكد أن الحرمة الترابية للجزائر خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وعلى حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره على كافة أراضيه بعدما حاول المستعمر التلاعب بتقسيم الجزائر واستثناء الصحراء الجزائرية من الحرية”. وأضاف “في الواقع، منذ انطلاق ثورة نوفمبر المباركة كانت هناك مناسبات كثيرة لأبناء الشعب المنخرطين في حرب التحرير لبلورة تماسك روح التضحية، وكذلك العبقرية في صنع ما يمكن القول إنه معجزة وهو استرجاع السيادة الوطنية في وقت كان الاستعمار يعتبر الجزائر جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني، وهو الاستعمار الذي كان يستند إلى قوة أكبر تحالف عسكري في القرن العشرين”. وتحولت مجلة “الجيش”، لسان حال المؤسسة العسكرية، في السنوات الأخيرة إلى منبر للتعبير عن مواقف وخيارات العسكر والخوض في المسائل السياسية والدبلوماسية وحتى الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي ترجم تحولات عميقة تخلصت من ثوب “الحاكم الخفي” إلى المؤسسة التي تمارس دورها ونفوذها بشكل صريح. وتبقى مهام الجيش خارج صلاحياته الأمنية والعسكرية في قلب القبضة الحديدية القائمة بين ما يعرف بـ”راديكاليي” الحراك الشعبي والمعارضة السياسية وبين السلطة، حيث يصر هؤلاء على أنه لا مكان للإصلاحات السياسية الحقيقية والتغيير الشامل دون انكفاء الجيش إلى دوره الطبيعي، بينما ترى السلطة أن المؤسسة العسكرية هي أعتى وأهم مؤسسات الدولة، والوضع الحساس الذي تمر به البلاد يستدعي مساهمة الجميع وتظافر كل الجهود. وفيما تتداول بعض الدوائر أن توازي الرسائل السياسية بين رئيسي الدولة وأركان الجيش هو مؤشر على تعدد مصادر القرار والحكم في البلاد، فإن التناغم المسوق له بين الطرفين يعطي الانطباع بأن الرئاسة والجيش يشكلان دورا متكاملا لا علاقة له بالتجاذبات التي ميزت العلاقة بين الطرفين على مر العقود الماضية. وبمناسبة الذكرى الستين لعيد النصر هنأ رئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة كل أفراد الجيش، وقال “بمناسبة الذكرى الستين لعيد النصر المصادف لتاريخ التاسع عشر من مارس يتقدم الفريق السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بتهانيه الخالصة إلى كل أفراد الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، من مستخدمين عسكريين ومدنيين ومن خلالهم إلى كل عائلاتهم وذويهم، داعيا الله عز وجل أن ينعم على بلادنا وشعبنا بالأمن والأمان والإزدهار. المجد والخلود لشهدائنا الآبرار”. وبنفس المفردات خاطب تبون الجزائريين بالقول “إننا ونحن نعيش مع العالم في هذه الظروف الخاصة المعقدة متغيرات إقليمية ودولية حاسمة، نؤكد أن تطلعنا إلى بناء جزائر صاعدة يستوجب إعادة الاعتبار لقيمة الجهد والعمل، والحرص على تعزيز أمننا القومي بتعدد جوانبه وفي كل أبعاده، من العوارض والطوارئ المحتملة، والسهر على وحدة صفنا، وتكاتف جهودنا. بالإضافة إلى تعميق الشعور بالواجب الوطني، والاضطلاع بالمسؤوليات على أتم وجه في مختلف القطاعات وفي كل المواقع تجاه الأمة والوطن”. وهو ما يكرس ثنائية غير مسبوقة في تاريخ التقاليد السياسية في الجزائر، حيث بات الحضور متوازيا بين الرجل الأول في الدولة وبين الرجل الأول في الجيش، الأمر الذي يترجم تنامي نفوذ العسكر في إدارة الشأن العام، وظهور معالم توازنات جديدة يراها البعض ثنائية هرم السلطة، بينما يسوق لها الخطاب الرسمي على أنها تكامل بين المؤسسات.

مشاركة :