الكاف (تونس) - بعد سنوات من الهجرة، اختار الفنان التشكيلي التونسي عمار بلغيث العودة إلى مدينة الدهماني في محافظة الكاف (شمال غرب)، حيث قام بتحويل كهف مهجور إلى مكان ثقافي متكامل يجمع أنواعا من الثقافة والفنون. بلغيث واحد من أهم الفنانين التشكيليين في تونس والوطن العربي، عاش قصة ترحال طويلة في أرجاء العالم، منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون الجميلة بالعاصمة تونس أواخر سبعينات القرن العشرين. وعند عودته، أنشأ كهفا للفنون في تجويفات كهف حقيقي وهو عبارة عن أيقونة فنية تونسية أصلية تجمع مختلف الفنون والإبداعات. "كهف الفنون" أو ورشة الرسام عمار بلغيث ذاع صيته في محافظة الكاف كما في ربوع البلاد لكونه متحفا طبيعيا يجمع بين الفن من جهة وعظمة الطبيعة من جهة ثانية. العودة إلى مسقط الرأس وقال بلغيث "بعد رحلة طويلة في البلدان العربية وبعض مدن العالم استمرت أكثر من 11 سنة، عدت إلى موطني الأصلي". وأضاف "أردت أن أعيد الحياة إلى منطقة منسية، وهي منطقة المدَيْنَة القريبة من مدينة الدهماني، وحولتُ ما تحت الأرض إلى كهف للفنون بفرشاتي وألواني ولوحات فنية، مستلهما ذلك من آثار ألتبيروس ومن مياهها وأشجارها". و"ألتبيروس" مدينة قديمة تقع بالقرب من الدهماني، أصبحت تحت نفوذ إمبراطورية قرطاج أواخر القرن الثالث قبل الميلاد. وأشار بلغيث أنه "جعل الكهف بعيدا عن كل مألوف، كاسراً الصورة النمطية لشكل ومكان ورشة الرسم العادية، جاعلا من الصخور لوحات فنية تحاكي حضارة الجهة وأساطير العشق المنحوتة على الجدران". وأوضح أن هدفه من إنشاء الكهف هو "إدخال البهجة والسرور على الزائرين، والسفر بهم إلى أعماق التاريخ عبر اللوحات الفنية والتاريخية، لأن محافظة الكاف تعتبر مركز الفن والثقافة". "بئر الحب" وبجانب كهف الفنون يوجد "بئر الحب" الذي يرمز إلى قصة حب أمازيغية بين "ماركوندا" وهي فتاة في ربيعها الـ17، و"ميسار" الذي يفوقها بـ 38 سنة، والذي أحبها بشغف دون أن يعلمها بذلك، وهي لم تعلم بحبه لها إلا بعد أن قتل دفاعا عن مدينته "ألَتبيروس". وشرح بلغيث أن "ماركوندا" كان لها صوت عذب، وكانت تغني لأترابها عندما تذهب معهم لجلب الماء من البئر، فيما كان "ميسار" يستمع لأغانيها حين كان يجلب الماء من البئر ويبيعه لأهالي القرية، وقد كتم حبه لها، بسبب فارق السن بينهما وخوفا من ردة فعلها. وعندما علمت "ماركوندا" بحبه لها بعد مقتله، حزنت كثيرا وأصبحت تذهب باستمرار إلى البئر وتغني له إلى أن توفيت حزنا عليه، وفق رواية بلغيث، موضحاً أن "بئر الحب" هو المحطة الثالثة للمسلك السياحي الذي أنشأه لزائريه. مقصد الزوار وقال بالغيث إن "الأهالي وزوار الكهف يعتقدون أن ماء بئر الحب مقدسا ومباركا، وأنه أيضا يجلب الحظ والحب للعشاق والأزواج، وبالتالي لا بد لكل زائر أن يذهب إليه ليشرب ويملأ ما تيسر من الماء". في "كهف الفنون" قدمت عائلة تونسية تزور المعرض، وقال رب العائلة حاتم السلطاني، إنه يصطحب زوجته وأبنائه إلى الكهف كل عطلة، بهدف السياحة والاستمتاع بجمال المنطقة وسحر طبيعتها. "كهف الفنون" والعزلة وقال بلغيث إن تفرغه من أجل الفن واختياره العزلة بالمفهوم الفني ولّدت لديه "عزلة مادية بسبب غياب اهتمام الجهات المعنية بهذا المعلم الفني الرائع"، في إشارة إلى عدم دعمه من جانب السلطات. وأوضح أن "المسلك المؤدي إلى الكهف يتحول عائقا أمام الزوار، من وفود أجنبية وإعلامية، ويحول دون وصولها إلى الكهف، وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا لفك عزلته".
مشاركة :