تأتي مجموعة لوحات "أحاديث الحياة" للفنان التشكيلي والشاعر المصري أحمد علي كتجسيد حيّ للعلاقة ما بين الشِعر والفنون التشكيلية، وتستحضر صورة تلك النصوص التي كتبها شعراء مصر القديمة واللوحات الجدراية التي نقشها ورسمها الفنان المصري القديم على جدران المعابد والمقابر التي اقامها ملوك وملكات الفراعنة على ضفتي نهر النيل في مدينة الأقصر التاريخية جنوبي مصر، قبل أكثر من 3500 عام. ولعل استضافة بيت الشعر بمدينة الأقصر للوحات الفنان والشاعر أحمد علي في مناسبة متعددة هو تأكيد من إدارة البيت على تلك العلاقة القوية بين الشِعر والفنون التشكيلية والتي يرى فيها البعض شاهدا على تواصل شتى أنماط الإبداع وتواصلها وارتباطها الوثيق الذي عبر عنه شعراء وفنانون تشكيليون في مناسبات عديدة، وفي الكثير من إبداعاتهم الشعرية والتشكيلية. ويقول الشاعر حسين القباحي، مدير بيت الشعر بالأقصر، فإن البيت يحرص على استضافة الأمسيات الشعرية، بجانب المناسبات الإبداعية والفنية الأخرى مثل المعارض التشكيلية، وورش ومعارض الخط العربي، لافتا إلى أن تلك الأنشطة تأتي لتؤكد على التواصل بين مختلف أوجه الإبداع من أشعار وفنون. وبحسب القباحي فإن الكثير من المعارض التشكيلية التي يستضيفها بيت الشعر بالأقصر، تتناول موضوعات ومفردات ليست ببعيدة عن العوالم الشعرية، خاصة حين يكون المعرض الفني لمبدع يجمع بين كتابة الشعر وممارسة الفنون التشكيلية مثل الشاعر والفنان التشكيلي أحمد علي. الشعور بالجمال وحول لوحات مجموعته "أحاديث الحياة" وما تلاها من أعمال عرفت طريقها للعرض داخل بيت الشعر في الأقصر، قال الفنان التشكيلي والشاعر المصري أحمد علي، ان تلك الأعمال التشكيلية، تهدف لإبراز دور الفن التشكيلي في تعديل السلوك النفسي لدى المتلقي، وتطوير ملكة الإدراك والشعور بالجمال، وتتناول موضوعات عدة تدور في فلك الطبيعة والتسامح والمرأة. وأشار إلى أن عرض الكثير من لوحاته في بيت الشعر، هو تأكيد على تلك العلاقة القوية التي تجمع بين الفنون التشكيلية، وقصائد الشعر والشعراء، وأنه لا يري فارقا بين ممارسة الفنون التشكيلية، وكتابة الشعر، وأن كلاهما ابداع إما عبر كلمات القصائد، أو عبر لخطوط والألوان. ولفت الفنان التشكيلي، والشاعر المصري، أحمد علي إلى أن كثيرا من الفنانين يستلهمون لوحاتهم من قصائد الشعراء، وكثير من الشعراء يستلهمون قصائدهم من لوحات ومنحوتات وأعمال تشكيلية.. وأن الكثير من اللوحات يراها المتلقي حين يتأمل في تفاصيلها بأنها قصيدة شعرية ناطقة. بين اللوحة والقصيدة وأضاف بأنه "حين نقرأ قصيدة نرى فيها لوحة تشكيلية واحدة، لكن اللوحة قد تكون لديها القدرة على التعبير أكثر من القصيدة، وأن تجمع في تفاصيلها وخطوطها وألوانها أكثر من قصيدة". وأوضح بأن عوالم ممارسته للرسم، لا تختلف كثيرا عن عوالم كتابته لقصيدة شعرية، وأنه في الحالتين يجد نفسه عالم خاص يأخذه بعيدا، وكأنه يحلق في عوالم بعيدة. واشار أحمد علي إلى انه ربما تأثر كثيرا في أعماله الفنية، وفي قصائده أيضا، بتلك النصوص الشعرية والكتابات الأدبية، واللوحات والتماثيل التي يشاهدها منذ مرحلة الطفولة وحتى اليوم، في مدينته أرمنت صاحبة الحضارة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ووسط معابد الكرنك، وهابو والرامسيوم غيرها من معالم أجداده القدماء في محافظة الأقصر. وحول لوحات مجموعته "أحاديث الحياة"، ومن أين استلهم أفكارها، قال أحمد علي، إنه استوحى أفكار لوحات تلك المجموعة من البيئة الريفية المحيطة به، من البيوت الريفية التي تجمع بين مجموعات من الحيوانات والطيور التي تعيش في حالة من التسامح، بجانب الطبيعة الغناء على ضفتي نهر النيل الخالد، ومن لحظات الانتظار. ولفت إلى أن المرأة حاضرة أيضا في لوحات المجوعة بإحساسها المتدفق الذي ينسكب رقة وعذوبة على اللوحة، لتمنح العمل الفني "الونس الحسي وتمنحه الحياة أيضا". وحول رؤيته لحاضر ومستقبل الحركة التشكيلية العربية، قال أحمد علي إن تطور الحركة التشكيلية العربية مستقبلا بجانب تطور مشهدها الحالي يتوقف من وجهة نظره على جهود الفنانين وإبداعاتهم، وسعيهم الحقيقي لصنع نهضة تشكيلية عربية عبر تقديم أعمال تعبر عن الحضارة العربية، وتراعي ما يموج به العالم من رؤيً وتجارب فنية حديثة، وأن يجمعوا في أعمالهم ما بين الأصالة والمعاصرة، وتجسيد تراثهم وحضارتهم وبيئتهم الشرقية الغنية بالمفردات التشكيلية. وقال الفنان التشكيلي والشاعر أنه بإمكان الفنانين العرب ان يكونوا أكثر إبداعا وأكثر قربا من خلق ثورة فنية وفكرية، وأن يجعلوا من حالة التفكك والصراعات التي تعيشها بعض بلدان المنطقة العربية، وقودا للإلهام والانطلاق في مسيرتهم الفنية فيجعلون من الفن آداة يحكون بها مأساتهم للعالم. واعتبر أن المعاناة الحقيقية التي يعيشها الفنان التشكيلي العربي، هي فقدانه لأغلب صور الدعم من المؤسسات الحكومية المعنية برعاية الحركة التشكيلية في معظم بلدان العالم العربي. وشدد على حاجة الفنانين العرب للمساعدة من قبل حكوماتهم ليتمكنوا من الاندماج في الحركة التشكيلية العالمية، وتقديم فنونهم التي يعكسون من خلالها حضارتهم وتاريخهم، ويعبرون بها عن هويتهم العربية. وتابع بالقول بأن الفنانين التشكيليين العرب، يمتلكون أدواتهم الفنية بقوة، ولديهم بصمتهم الفنية الخاصة، ولهم حضورهم في الحركة التشكيلية العالمية، وأنه في حال توفير الدعم اللازم لهم فهم قادرون على المنافسة في شتي المعارض والملتقيات الفنية الدولية. وطالب بضرورة نشر الثقافة البصرية في عربيا، والتعريف بأهمية دور الفنون التشكيلية في الارتقاء بالمجتمعات، ونشر ثقافة اقتناء الأعمال الفنية العربية، من أجل إتاحة الفرصة أمام الفنانين لتسويق أعمالهم التشكيلية بشكل يوفر لهم احتياجاتهم التي تمكنهم من الاستمرار في مسيرتهم الفنية. وانتقد علي إقدام البعض على اقتناء أعمال فنية مستلهمة من البيئات الغربية، على الرغم من أن الشرق دوما كان ملهما اساسيا للتشكيليين الأوربيين طوال قرون طويلة، أو اقتناء أعمال تشكيلية لفنانين غربيين بغرض ما وصفه بالتباهي والتفاخر. يُذكر أن الفنان التشكيلي، والشاعر المصري أحمد علي، له العديد من المشاركات في المعارض والملتقيات التشكيلية المصرية والعربية، وله حضور في الفعاليات التشكيلية المتزامنة مع مهرجانات وملتقيات بيت الشعر في الأقصر، ومهرجان الأقصر للسينما الافريقية، وقد شغل منصب رئيس نادي الأدب بمدينة أرمنت، وصدر له ديوان "شهوة البنفسج" ضمن إصدارات الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، وله تحت الطبع ديوان "وتبقين يا حبيبتي".
مشاركة :