لدينا مشكلة غير منتهية، وممتدة منذ "اللا بداية"، وحتى "اللا نهاية"، ومشكلة هذه المشكلة أننا لا نعرف أنها مشكلة، وهي لا تتقاطع مع طرقات الحياة التقليدية، فلا يمكن أن تجدها على هامش المتاعب اليومية، أو أن تؤثر بمعدل الدخل الفردي، ولا حتى بالناتج القومي، بشكل مباشر على الأقل، وقد لا تكون مهمة حتى؛ من قال إنه يجب أن نكتب عن المهم وحسب، بل إن الأشياء غير المهمة؛ مهم تناولها.. فقط لأن تناول المهم أساس من لا أساس له! كالمثال أعلاه، وجوب تناول المهم في الكتابة فقط، تكمن المشكلة، والمتمثلة بالقناعات المبتذلة، والشعارات المزيفة، والعبارات المستهلكة، والتي أفرزت أجيالا من الترديد دون وعي، أو ممارسة حقيقية، وإنما إجابة معلبة لأسئلة تقليدية، وآراء كاذبة فيما لو لم توجد الأسئلة أساسا.. يقول معظم الكتاب إنهم يكتبون للناس، والهمّ العام، وهذا الأمر ليس حقيقة مطلقة، وقد يمثل بعض الحقيقة، لكن الأغلبية لا يجرأون على قول الحقيقة الكاملة، والتي تقول بأن هذا الأمر يشبع أشياء في دواخلهم، ويرضي غرورهم غالبا، ويمنحهم "برستيجاً" يبحثون عنه باستمرار، والدليل أن عددا كبيرا منهم يختارون القضايا التي تضعهم في نقطة الاهتمام، حتى لو لم تمثلهم، أو تخالف قناعاتهم.. هم أقل شجاعة من أن يكونوا متصالحين مع هذا الأمر! وهناك، حيث الفن، والعالم المغرق بالمثالية، بكل أشكاله وألوانه، كل فنان - لو لم أكن مبالغا - تلتقيه، يقول لك إنه يحمل رسالة، وأن فنه لتجسيد تلك الرسالة، بينما واقع منتجه يختلف عن ذلك، ثم من سن قانون وجوب أن يكون للفن رسالة، لماذا يجب أن يكون هادفا، لمَ لا يخلق للترفيه، لصنع الابتسامة، المعالجة ليست بالفن دوما، ولا الوعي أو الوعظ، لكن لا أحد يريد أن يقول إن فنه له.. له هو تحديدا. ومثال ثالث، يتعلق بالتواضع، سواء من خلال افتعاله، أو محاولة الضغط على الآخرين لممارسته دون حقيقة، هو أحد أهم المآسي التي أوجدت شخصيات مزدوجة، تعيش في المنطقة الفاصلة بين ما هي عليه، وبين ما ينتظره الآخرون، فأفرزت حضورا مشوها، لا يشبه ما يجب أن تكون عليه تلك الشخصيات. ما ذكر في الأمثلة، لا يعني أنها ممارسات سيئة، لكنها غير حقيقية، ولا يعني أن أصحابها سيئون، وإنما لا يشبهون الحقيقة، لا أقصد شخوصا بعينهم، وإنما هي قضية عامة، معظمها مزروعة في "اللا وعي"، ومنتجها يعاد تدويره منذ سنوات طويلة، ولأنه ليس مهماً لم يُلتفت له، ولكن من الضروري أن نتحدث عن الأشياء غير المهمة؛ فالمهمة نجترها منذ عقود ولم تتغير! في النهاية، جرّب أن تعيد النظر في كل الأشياء، العبارات والآراء والقناعات، وحتى الناس، كل شيء، حاول أن تطل على الأشياء من زوايا مختلفة، توقف عند الأشياء التقليدية، حاول أن تفهم مصدرها، أن تتعرف على ماهيتها، أن تصنع شيئا مغايرا. وتذكر ألا تكون نسخة من الأشياء الأخرى.. أن تكون مستقلاً وحسب! والسلام
مشاركة :