قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الخميس إن بلده أجرى محادثات مع صندوق النقد بشأن تمويل محتمل كإجراء وقائي من آثار الأزمة الروسية – الأوكرانية على اقتصاده في حال استمرار الصراع لفترة طويلة. وكان صندوق النقد قد كشف قبل ساعات من هذه التصريحات أن القاهرة ستقدم إليه طلبا للحصول على قرض جديد، وأن خبراءه يعملون عن كثب مع مسؤولي البلد استعدادا لإجراء مناقشات حول برنامج يدعم الأهداف المشتركة، وتتمثل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو الاحتوائي المُستدام والغنيّ بالوظائف على المدى المتوسط. وبدأت القاهرة تتجرع الآثار السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بسبب ارتفاع أسعار الغاز والنفط نتيجة ما يحدث في شرق أوروبا ما دفع الحكومة إلى زيادة أسعار أسطوانات الغاز للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر. وبالتوازي مع ذلك شرعت في معالجة الخلل في أسعار الكثير من السلع الغذائية، وتراجع نسبة السياح الأجانب، بما يستلزم ضخ المزيد من الأموال لسد العجز المتوقع في الموازنة العامة للدولة. محمد سعدالدين: رفع أسعار أسطوانات الغاز نتيجة سلبية لما يحدث وتهدد الأزمة الراهنة في أوكرانيا نحو 80 في المئة من واردات مصر من القمح وتراجع تدفق الزوار من روسيا وأوكرانيا باعتبارهما من أهم أسواق السياحة العالمية بالنسبة إلى البلد. وأثار ذلك مخاوف لدى العديد من المؤسسات المالية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، حيث تؤدي الزيادات العالمية في الأسعار إلى تحمل الحكومة المصرية لنحو 960 مليون دولار إضافية في فاتورة استيراد القمح وحده. ويبدو سعي الحكومة لاستكشاف الخيارات المتاحة أمامها في ظروف صعبة أمرا جيدا، وأظهرت حتى الآن مقدرة كبيرة على إدارة الأزمة، وقاد وزراء المالية والبترول والتموين والتخطيط الجهود لتوضيح طبيعة الأزمة الراهنة للمواطنين. وتواجه البلاد تحديا كبيرا فرضته الأزمة العالمية، إذ أحدثت ضغوطات على الموازنة العامة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وصعود أسعار النفط، وانخفاض التدفقات الدولارية لفقدان السوقين الروسي والأوكراني باعتبارهما من أكبر الأسواق حجما، ما يُنذر بموجة تضخم مرتفعة. ويعد لجوء مصر إلى الاقتراض حلا صعبا، لكنه يفرض نفسه على السلطات خلال الفترة الحالية مع استمرار المخاطر الاقتصادية العالمية. كما أن هناك عقبة جديدة تجعل الاقتراض أكثر عبئا مع تشديد السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إذ تُصبح السندات الأميركية أكثر جذبًا بعد رفع سعر الفائدة عليها، مقارنة بنظيرتها بالبلدان الناشئة ومنها مصر. ويعد مستثمرو أدوات الدين (السندات وأذون الخزانة) أحد أهم روافد تدفق العملة الأجنبية للسوق المصرية في السنوات الماضية، ما يحرم البلاد من تلقي دولارات جديدة هي في أشد الحاجة إليها لاستقرار سوق صرف الجنيه المصري. وقال الخبير الاقتصادي المصري ياسر عمارة إن “لجوء القاهرة إلى صندوق النقد الدولي دواء لا مفر منه للحصول على قرض جديد تحوّطا لحدوث المزيد من المخاطر العالمية”. وأكد لـ”العرب” أن هذه الخطوة بالطبع ستفاقم الديون الخارجية للبلاد مع زيادة تكلفتها، حيث تضطر السلطات إلى رفع أسعار الفائدة على السندات لجذب المستثمرين إليها، ما يرفع العبء عن الموازنة العامة للدولة بشكل أكبر. ياسر عمارة: لا مفر من اللجوء إلى صندوق النقد لمجابهة المخاطر ويتحدد سعر الفائدة على قرض صندوق النقد الدولي بناء على التفاوض بين الحكومة ومسؤولي الصندوق، ويحددها أيضا بناء على أسعار الفائدة بأسواق الدين العالمية. وأوضح عمارة أن رفع سعر الفائدة بسوق الدين العالمي يؤدي إلى زيادة الفائدة على السندات التي يتم طرحها في الأسواق العالمية، إذ يحصل المستثمرون على الفائدة الجديدة في تاريخ استحقاق السندات. وتراجع الدين الخارجي المصري في الربع الأول من العام المالي الجاري ليسجل 137.4 مليار دولار مع نهاية سبتمبر الماضي، مقابل 137.8 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي ما يمثل نحو 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويعد هذا الرصيد في الحدود الآمنة إذا تمت مقارنته بأسواق أخرى مثل الولايات المتحدة التي تعدى فيها نسبة 100 في المئة. ولم تتخلف مصر عن سداد ديونها طيلة السنوات الماضية، اعتمادا على الإيرادات الدولارية المتدفقة من السياحة وبيع السندات، إلا أن الوضع الراهن يفرض على السلطات خفض الإنفاق العام وربما اللجوء إلى الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي لسداد المستحقات الخارجية، في حال استمرار الأزمة العالمية. وأعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن المؤسسة المالية تجري بالفعل مناقشات مع مصر حول كيفية استهداف الفئات الأكثر تضررا والشركات المعرضة للخطر. ولم توضح جورجيفا ما إذا كان الصندوق سيقدم المزيد من الدعم المالي لمصر، ولم تتطرق إلى الإجراءات التي يجري بحثها مع الحكومة حاليا. ولجأت مصر إلى الصندوق مرتين في السنوات الست الماضية، وكانت المرة الأولى عام 2016 عندما حصلت على تسهيل ائتماني بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج طموح للإصلاحات الاقتصادية وتزامن مع تحرير سعر صرف الجنيه. وكانت المرة الثانية بعد انتشار الجائحة عندما اقترضت مصر 8 مليارات دولار لتخفيف الأثر الاقتصادي للجائحة. وتعمل وزارة المالية على خطة طارئة للتعامل مع الزيادات في أسعار المواد المستوردة من الخارج بناء على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي. أزمة أوكرانيا تهدد نحو 80 في المئة من واردات مصر من القمح وتراجع تدفق الزوار من روسيا وأوكرانيا باعتبارهما من أهم أسواق السياحة العالمية بالنسبة إلى البلد وجرى تكليف وزارتي الداخلية والتموين بضمان توافر السلع واتخاذ الإجراءات القانونية ضد البائعين الذين يحاولون استغلال الأزمة برفع الأسعار بشكل غير مبرر. وبدأت التداعيات السلبية للأزمة الأوكرانية تضرب السوق المصرية، إذ قررت الحكومة تحريك أسعار أسطوانة غاز الطهي إلى 75 جنيها (4.8 دولارات) بدلا من 70 جنيها (4.4 دولارات)، بينما تصل إلى المستهلك بنحو 85 جنيها (نحو 5.5 دولارات) أو أكثر. وقال محمد سعدالدين رئيس جمعية مستثمري الغاز المسال بمصر إن “هذه الزيادة تمثل نحو 7 في المئة وهي لا تقارن بالزيادة العالمية لأسعار الغاز حيث وصلت قيمة الطن إلى ألف دولار، وأن مصر ما زالت تستورد 50 في المئة من غاز الأسطوانات”. وأوضح لـ”العرب” أن دولا عديدة رفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى المصانع بأكثر من 50 دولارا للمليون وحدة بسبب الأزمة الناتجة عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن لا يزال سعره ثابتا للمصانع حتى الآن في مصر فهو مستقر عند 4.5 دولارات، مؤكدًا أن القاهرة تنتج الغاز محليًا ولديها اكتفاء ذاتي منه. وطالب سعدالدين بضرورة إلغاء الدعم العيني لأسطوانات الغاز، أي أن يتم بيعها بسعر تكلفتها، وتقديم دعم نقدي للأسر مع حرمان الأجانب والشركات الاعتبارية من فنادق ومطاعم ومزارع وغيرها من هذا الدعم. وتحولت مصر قبل عامين من دولة مستوردة إلى مصدّرة للغاز الطبيعي ولديها فائض قابل للتصدير يفوق ملياري قدم مكعب يوميا، نتيجة الاكتشافات الجديدة للغاز التي وطدت المكانة الإقليمية لمصر. ويشير خفض قيمة الجنيه قبل أيام إلى تداعيات خطيرة لعملية الاقتراض الجديدة من صندوق النقد، على خلفية الاقتراض الأول في العام 2016، والذي تسبب في موجة ارتفاع حادة في الأسعار لم تستطع الغالبية العظمى من المصريين تحملها.
مشاركة :