قال سعادة الدكتور عبد العزيز المسلّم رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة لأيام الشارقة التراثية: إن نسخة الأيام هذا العام بما حملته من فعاليات متنوعة ورؤى استشرافية، نجحت في رسم معالم العلاقة بين التراث والمستقبل. جاء ذلك لدى مشاركة سعادته وحضوره مراسم توقيع كتاب (التراث والمستقبل مقاربات ورؤى) مع مجموعة من الباحثين والخبراء المشاركين في إعداد هذا الكتاب الجماعي الذي يضم بين دفتيه مجموعة من المقاربات المعمقة في مجال العناية بالتراث ودراسة ارتباطاته بالحاضر والمستقبل. وعن الكتاب الذي تم توقيعه وتوزيعه على ضيوف المقهى الثقافي في ساحة التراث، قال المسلّم: يعد الإصدار خلاصة فكرة جديدة لإعادة بعث هذا التراث واستعادة دوره في رسم معالم المستقبل، وهو في عنوانه يتكامل مع شعار أيام الشارقة التراثية في نسختها الحالية؛ إذ يحاول الإجابة على علاقة ظلت مبهمة وغير واضحة للكثيرين، وهو ما حدا بالمعهد إلى إثارة هذا الموضوع وإجلاء اللبس فيه من خلال إشراك نخبة من خير الباحثين في الإجابة عن هذه العلاقة، كل من الزاوية التي يحددها. وأضاف إن هذه العلاقة الثنائية موضوع إشكالي يتسم بالراهنية والتجدد، لارتباطه الشديد بالمتغيرات الثقافية والتطورات التقنية والتكنولوجية، وما أفرزه عصر العولمة من معطيات طرحت العديد من الأسئلة الجوهرية حول مستقبل المعرفة والعالم والخصوصية الثقافية والهويات المتداخلة، ما يساعد في فهم صيرورة الأحداث والتطورات المتلاحقة وتقديم تصورات منطقية ومعرفية حول المستقبل. وبالتالي يسعى الكتاب إلى إماطة اللثام عن هذا الموضوع ومناقشته ومحاورة المستقبل بعين فاحصة تشجع الواقع وتستشرف المستقبل. وقد حضر مراسم التوقيع كوكبة من الباحثين المشاركين في إعداد الكتاب وهم الأستاذ إبراهيم سند، والدكتور مصطفى جاد، والدكتورة علياء شكري، والدكتور ماجد بوشليبي، والدكتور فهد حسين، والأستاذ طلال الرميضي؛ حيث أعربوا عن امتنانهم وتقديرهم للجهد الكبير الذي بذله وما زال يبذله معهد الشارقة للتراث، تحت إدارة وتوجيهات سعادة الدكتور عبد العزيز المسلّم، في سبيل صون التراث وحفظ الهوية، كما قدم كل باحث نبذة مختصرة عن موضوعه في الكتاب، والذي على الرغم من تنوع موضوعاته إلا أنها ركزت في مجملها على تلك الثنائية التي حملها شعار فعاليات الأيام، فكان التراث وتجلياته في المستقبل وسبل الاستفادة منه وضمان ديمومته، الخيط المشترك بين جميع هذه المشاركات الرصينة. تراث أسوان ونواعير العراق يلتقيان في “التراث العربي” من جهة أخرى، نظم جناح مركز التراث العربي مجموعة من المحاضرات التي سلطت الضوء على معالم بعض الجوانب التراثية والثقافية في العالم، من أهمها محاضرة ألقاها الدكتور رضوان عبدالراضي سيد الأستاذ المساعد بكلية الآثار بجامعة أسوان ووكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ومؤسس ومدير مركز حضارة وتراث أسوان بالجامعة، استعرض فيها تجربة المركز في حفظ التراث وتوثيقه وتسويقه، في ظل ضعف الاهتمام في إبراز أهمية دور الجامعات المحلية في هذا الجانب، والذي تطغى عليه هالة المؤسسات والهيئات الرسمية الأخرى، وأشار إلى أن المركز في جامعة أسوان يعد ثاني مركز بعد مركز جامعة الفيوم في مجال السعي للمحافظة على التراث المحلي المصري، ليس من جانب أكاديمي وبحثي فقط، وإنما من خلال تبني وتنفيذ مشاريع عملية ميدانية، عبر تطوير وتنفيذ استراتيجية طموحة يقوم بها المركز في التسويق في السياحة التراثية لمواقع التراث الثقافي المادي وغير المادي، بالإضافة إلى الترويج لها على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر إنتاج الأفلام والمواد المرئية وعرضها على الحرفيين خلال الزيارات الميدانية. وقام المحاضر بإطلاع الحضور على مجموعة من المنتجات التراثية التي صنعتها أياد مصرية ماهرة من أسوان وباستخدام خامات طبيعية مصنوعة باليد، وتضمنت ملابس وأزياء وأدوات منزلية مختلفة. وفي المحاضرة الثانية، تحدث كل من الدكتور علي جبر وحسين الكريطي عن جماليات النواعير العراقية، والتي تمثل أحد أهم المعالم التراثية ذات الدلالة على عمق تاريخ وحضارة بلاد الرافدين، باعتبارها إنجازات أنتجتها منظومة العقل الإنساني البشري في إيصال الأشياء النفعية إلى الناس ومن ذلك الأدوات المرتبطة بالري واستخدام الماء باعتباره أحد مصادر الحياة الأساسية. واعتبر المحاضران النواعير فكرة فيزيائية ذكية من الإنسان في إيصال المياه من المستويات السفلى الى الأعلى، وهي جزء من ذاكرة وهوية المنطقة رغم عدم جدواها الاقتصادي الحالي بسبب دخول وسائل التقنية الحديثة في الري، وهي تتوزع على أحجام مختلفة ما بين 12 إلى 20 متراً ويكثر تواجدها غربي العراق على نهر الفرات حصرًا لأن الماء يجري فيها بصورة أقوى نتيجة وجود مناطق معينة مرتفعة عن مستوى النهر. وتضمنت المحاضرة الدعوة إلى ربط هذا الجمال بالأنثروبولوجيا والعمق التراثي للإنسان، وقيام المعماريين والنحاتين والمهندسين بوضع آلية لتطوير هذه النواعير بطريقة معاصرة والخروج بتناص جديد يعطينا شكلاً ومحافظة على هذا الموروث الذي نجح في الانضمام إلى القائمة التمثيلية للموروث الثقافي في اليونسكو إلى جانب كل من أهوار الجنوب، ومدينة الحضر وأشور قلعة الشرقاط ومدينة سامراء وقلعة أربيل، ومدينة بابل التاريخية. البيت الغربي.. ورش ومحاضرات ضمن البرامج الأكاديمية التي يستضيفها البيت الغربي تم عقد ورشة تدريبية حول فن الورق المجزع أو الأبرو، قدمها الدكتور حسن مأمون مملوك خبير ورئيس قسم ترميم المخطوطات في معهد الشارقة للتراث. وحول الورش قال مملوك إن هذا الفن المسمى بالأبرو مشتق من كلمة لاتينية تم تعريبها إلى الورق المجزع، وهو عبارة عن فن الرسم على الماء، يعود منشأه إلى عهد السلاجقة، لكنه عثماني الشهرة، وقد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخطوطات الإسلامية، وجاءت فكرة الورشة استناداً إلى برامج قسم ترميم المخطوطات في مجال صناعة الأغلفة وترميم وصيانة هذه المخطوطات، ومن خلال الشعبة المختصة بفن الورق المجزع. وأوضح أن استخدامات الأبرو يأتي حصرًا للمخطوطات التي تأتي من غير غلاف أو أبرو حيث يتم وضع أبرو جديد يتناسب مع المخطوط الإسلامي، مضيفاً بأن الورشة عرفت المتدربين على طريقة الرسم على الماء وتحضير الألوان والسائل الموجود في الحوض، كما أشركتهم في رسم بعض النماذج العثمانية وتقديمها للجمهور. من جانبها، قدمت الدكتورة مها الدوري محاضرة حول التراث الثقافي غير المادي وأثره في تربية الجيل الجديد، ركزت فيها على أهمية المحافظة على الآداب والتقاليد والعادات الاجتماعية القديمة وخاصة ما تميز الدولة وهو ما يسمى بـالسنع الإماراتي الذي يشمل مجموعة قوانين وقواعد متعارف عليها تحكم السلوكيات والتعاملات والعادات مع الضيوف والأهل وغيرهم، أو الإيتيكت الاجتماعي بالمفهوم الحديث. وأشارت إلى أن تراجع تطبيق هذه المفاهيم والسلوكيات يعود إلى الانشغالات الحياتية الجديدة وقلة التواصل بين الناس بسبب الانغماس الشديد في استخدام الأدوات التكنولوجية، لافتة إلى أهمية تعريف الأبناء بماهية السنع والآداب المرتبطة به في المجالس والضيوف وكذلك التعامل مع الآخرين، وهو ما يسهم إيجاباً في زيادة التماسك والمحبة بين الأفراد، ويعزز من الأخلاقيات الدينية والتعاليم باعتبارها جزءً من الهوية، وأسلوباً تلقائياً للحياة. وأكدت الدوري على أهمية دور الأسرة في هذا الجانب باعتبارها المعلم الأول للأبناء منذ صغرهم، ثم دور المؤسسات التعليمية والمدارس في إدخال وتعليم السنع في المناهج وتطبيقه فيها. ودعت الدوري إلى التوازن في العادات المحلية دون إغفال قيم الانفتاح مع الآخرين والجنسيات العالمية المختلفة، بحكم أن العادات والتقاليد القديمة الأصلية والأصيلة مشتركة بين أغلب مجتمعات العالم فهناك بعد مشترك، مثل احترام الكبير والعطف على الصغير ومساعدة الغير وتقديم العون للمحتاج والضيافة والتسامح والترابط الأسري والتطوع والأمانة والصدق في الحياة والعمل وكيفية الضيافة وغيرها. الركن العماني يحلي الأيام! يواصل محل علي محمد السيابي مشاركته السنوية في أيام الشارقة التراثية منذ عام 2004 وحتى الآن، حيث يقدم لزوار المهرجان فرصة لتذوق وشراء الحلوى العمانية اللذيذة. يقول أحمد ناصر العويس المشرف على الركن: مشاركتنا في الأيام قديمة ونهدف من ذلك المساهمة في الحفاظ على التراث الخليجي والعماني، عبر تعريف الناس بالحلوى العمانية وطريقة إعداد الحلوى العمانية وأنواعها وأشكالها، ولكي نحلي الأيام وفق تعبيره، ونسعى لتوفير فرصة لمشاهدة الزوار للمعمل الصغير الذي نعرضه في الركن لكيفية صناعة الحلوى العمانية، باستخدام المرجل على الطبيعة، وهو ما يلقى اهتمام العديد من السواح والزوار يتوافدون على الأيام. وأشار العويس إلى أن المرجل المستخدم في المصانع ينقسم إلى قياسات مختلفة يتم تفصيلها بحسب الحاجة، فمنه ذو الحجم صغيرة بواقع 20 كيلوجراماً، ومنه الكبير الذي يستوعب من 30 إلى 40 كيلوجراماً، وهو لا يوجد حالياً في البيوت وإنما في المصانع المتخصصة فقط، لافتاً إلى أن الركن يبيع أهم أنواع الحلوى العمانية في الركن وهو الأسود القديم وكذلك الحلوى الخاصة التي تشمل مكسرات وتؤكل مع القهوة المحلية. الحرف الليتوانية تبهر زوار أيام الشارقة التراثية تشارك ليتوانا للمرة الأولى في أيام الشارقة التراثية من خلال معرض متكامل بديع الأركان يحمل عنوان (حرف من ليتوانيا)، ويقدم لزواره تشكيلة فنون مبهرة تمثل جانباً من الموروث والتراث الليتواني، ويأتي على رأسها الكهرمان أو العنبر. يقول ألبرتس بوكاوسكاس وهو من أحد أشهر فناني تشكيل الكهرمان في ليتوانيا: لقد قمت بصنع أطول عقد من الكهرمان ونجحت في تسجيله في كتاب غينيس للأرقام القياسية، وأعيش في بالانغا الليتوانية، وهي مدينة مشهورة بالكهرمان أو ما نسميه بالذهب الليتواني، ورغم أن مهنتي الأصلية هي تعليم الموسيقى لكني احترفت في فن الكهرمان أيضاً، وقد شاركت في معارض أخرى في عدد من الدول مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية. ويضيف بوكاوسكاس: الكهرمان في الأساس عبارة عن قطرات راتنج أو صمغ متحجرة من الأشجار الصنوبرية المنقرضة قبل آلاف السنين، وحملت الأنهار تلك القطرات إلى البحر في رحلة طويلة وخلالها التصقت بها الحشرات وأشواك النباتات والعشب والتربة ذات الألوان المختلفة، لتبقى لآلاف السنين في قاع بحر البلطيق، حيث تحولت إلى كهرمان، واستخدمته قبائل البلطيق منذ 2000 إلى 1800 عام قبل الميلاد لصناعة المجوهرات وأدوات النسيج وعلاج الأمراض وحماية الناس من الأرواح الشريرة. ويلفت إلى أن ليتوانيا تشتهر بمتحف الخيول، حيث التاريخ القديم ارتبطت كتابته بالخيول في الحركة والقتال والفروسية والجمال، معرباً عن سعادته بمشاركته الأولى في أيام الشارقة التراثية بتنظيمها الرائع وحسن التعامل، كونه اكتسب العديد من المعارف خلال هذا المعرض ممن يهتمون بالكهرمان واستغرابه من سؤالهم الدائم عن سبب عدم خروج رائحة منها! بجانبه، تجلس سكايدر راكيتيتش منهمكة في حرفتها الأثيرة صناعة الخزف وإنتاج أدوات جذابة من السيراميك، تقول سكايدر: هناك ثلاث طرق حرق مختلفة تستخدم في صناعة الخزف وعلى حسب كل طريقة يحدد نوع الخزف، حيث يوجد الخزف المزجج والخزف الأسود والخزف المخمر، أما بالنسبة للخزف الأسود فتستخدم طريقة تقليدية قديمة جداً للحرق، تعتمد على خشب الصنوبر، حيث يوضع الفخار ليحترق ومن ثم يأخذ اللون الأسود نتيجة للدخان الطبيعي الناتج عن حرق الأخشاب وقد تم اعتماد هذه الأدوات كمنتج للتراث الثقافي الليتواني. وأما الفنان الحرفي فالداس بيليغريماس فيقدم مجموعة من المنتجات الخشبية الرائعة فضلاً عن قيامه بعملية النحت على خشب البلوط الصلب ليخرج منها منحوتات مصنوعة يدوياً مع عناصر من الرموز الليتوانية التقليدية. ويعيد فالداس تاريخ فن نحت الخشب إلى العصور القديمة، قائلاً: لقد ازدهر هذا الفن بدرجة كبيرة في تلك العصور، لذا أصبحنا نجد الآن في كل ركن ومكان في ليتوانيا وغيرها منحوتات خشبية تزينه، سواء في المنازل والمعابد والقبور والأماكن المهمة والعامة، وتستخدم في ذلك أخشاب معينة يتم اختيارها بعناية مثل أشجار البلوط وتجفف لمدة زمنية كافية، حتى تصبح قابلة للنحت والتشكيل بتفاصيل دقيقة للغاية.
مشاركة :