تحصين المجتمع التونسي ضد التطرف ليس قرارا سياسيا وأمنيا

  • 3/28/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بات تحصين المجتمع التونسي ضد انتشار الفكر المتطرف والعنيف من الملفات المهمة في السنوات الأخيرة، خصوصا في ظل استمرار نشاط الخلايا النائمة في استقطاب الشباب عبر شبكة الإنترنت وغيرها، بالرغم من الضربات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية محليا وإقليميا، وهو ما يتطلب وفق الخبراء والمراقبين معالجات لجوانب سياسية وأيديولوجية وتطوير الخطاب الديني والعقائدي، دون الاقتصار على المقاربات الأمنية. وعلى الرغم من النجاحات الأمنية التي تحققها القوات الأمنية والعسكرية المشتركة ميدانيا، خصوصا في المرتفعات والمناطق الحدودية، تجد السلطات نفسها أمام رهان محاربة الإرهاب كفكر متطرف يسعى للانتشار داخل المجتمع، وهو ما تعمل الجماعات الإرهابية على تحقيقه خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي والمساجد باستغلال الظروف النفسية والاجتماعية للفئات المستهدفة. وذكر كريم شهيبة المتخصص في الحركات الدينية، في تصريح خاص بـ”العرب”، أن “تحصين المجتمع ضد التطرف لا بدّ أن تتزامن فيه المسارات بين تحيين الخطاب الديني وتطوير البرامج التربوية والثقافية، والفكر الإرهابي المتطرف يعتمد على نصّ ديني معيّن لإثارة القلق، وعلينا أن نشتغل على ذلك النص وصياغة نص بديل لتبيان الدلالة الحقيقة للآيات والأفكار”. كريم شهيبة: خمسة في المئة فقط من الخطباء تكوينهم شرعي وقال “علينا ألّا نفسح المجال لتلقي المعلومات من تلك الشبكات والخلايا، عبر تكثيف الحضور الديني في وسائل الإعلام بهدف تفكيك تلك المنظومة، كما ينبغي منع انتشار الإرهاب الفكري قبل أن يصبح عضويا، وهناك عملية شحن واستقطاب يشتغل عليها الإرهاب مثل ما هو حاصل في العالم الافتراضي أو السجون وفي بعض الجامعات”. وتابع “لم نشتغل على إعادة التأهيل وتصحيح المفاهيم الدينية، وطالما أن الفكر المتطرف مستمر في بعض الفتاوى من بعض علماء الدين تظل هناك نزعة عدائية تعمل على إقصاء الآخر، ولا بدّ أن نشتغل على ذلك في المناهج التربوية، فضلا عن مراقبة شبكات الإنترنت وهو أكثر فضاء يتم فيه الاستقطاب”. وأردف كريم شهيبة “لا بد من الاشتغال على صورة رجل الدين أيضا وتصحيح بعض المفاهيم، لأن 5 في المئة فقط اليوم من الخطباء تكوينهم شرعي”. وتعرضت تونس لأعنف الهجمات الإرهابية في تاريخها على الإطلاق عام 2015 عندما شن مسلحون ثلاث هجمات كبرى في فترات متباعدة، استهدفت متحف باردو وفندقا بسوسة وحافلة أمن رئاسي في العاصمة تونس، مخلفة 13 قتيلاً من عناصر الشرطة ونحو 60 سائحاً أجنبياً. ويبدو أن النجاحات الأمنية النوعية لا تكفي للتصدي لظاهرة الإرهاب الذي ينشأ كأفكار متطرفة وانتماء أيديولوجي عنيف، حيث صرّح وزير الداخلية توفيق شرف الدين بأن مكافحة الإرهاب في تونس باتت “تحت السيطرة تماما” مع تحقيق الأجهزة الأمنية نجاحات نوعية، مضيفا أنها نجاحات كبيرة جدا لم تتحقق إطلاقا في السابق. وتواصل السلطات القيام بعمليات استباقية ضد متطرفين إثر تمكنها من تحقيق نجاحات نوعية بعد مرور سنوات شهدت خلالها هجمات دامية من قبل تنظيم داعش. وأعلنت وزارة الداخلية التونسية منذ أيام عن الكشف عن خليتين إرهابيتين مرتبطتين بتنظيم الدولة الإسلامية المتطرف (داعش) كانتا تخططان لصناعة متفجرات وشن هجمات والقيام بأعمال إرهابية أخرى. وقالت الوزارة في بيان إن قواتها تمكنت من الكشف عن خلية إرهابية تطلق على نفسها اسم “الموحدون” في ولاية (محافظة) تطاوين الواقعة جنوب البلاد. راشد الحفناوي: أولوية تحييد المساجد ومراقبة مواقع الإنترنت وتم في وقت سابق الكشف عن خلية إرهابية في ولاية سوسة الساحلية، حسب ما أفادت به وزارة الداخلية، وقد أسفرت العملية عن إيقافات، دون تقديم تفاصيل إضافية بحكم تواصل التحقيقات. ووفّرت حقبة ما بعد ثورة يناير 2011 لمختلف الجماعات السلفية الفرص السانحة لزرع بذور التمرد في تربة البيئات الفقيرة، كما سمحت لها بقطف ثمار خيبات الأمل بين الشبان، خصوصا في المناطق الحدودية. وتقدّم السلفيون من كل الألوان والمشارب الصفوف، وكان أكثر من استفاد منهم من عملية الانتقال السياسي من يُسمون السلفيون الجهاديون. فقد شهدت قوة هؤلاء طفرة واضحة، بعد أن أُطلق سراح بعضهم من السجون، حيث سعوا إلى مد جذورهم في الأحياء الفقيرة والمهمّشة التي تغيب عنها سلطة الدولة. ودعا خبراء في الظاهرة السلفية إلى تعديل المناهج العلمية والتربوية، وتطوير الخطاب الديني في المساجد وعبر فضاءات التواصل الاجتماعي، والقطع مع الخطاب الذي يحضّ على العنف والكراهية. وقال راشد مسعود الحفناوي رئيس جمعية التلاقي “لم يتم تحسين المناهج التربوية في تونس بعد الاستقلال، وأدخل الدعاة فكرا دخيلا على تقاليد التونسيين، والمقاربة الأمنية بعد الثورة لا تكفي وحدها في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “لا يوجد تأهيل للمساجد التي سيطر عليها من يملكون فكرا متطرفا، كما ندعو إلى فتح السجون لدعاة التسامح والاعتدال للحوار مع المساجين، فضلا عن منع الخطاب الديني المتطرف من الوصول إلى المنابر الدينية في تونس، لأننا وصلنا إلى كم هائل من خطاب الكراهية”. ودعا الحفناوي إلى “تحييد المساجد ومراقبة مواقع الإنترنت والدروس المقدمة من قبل الخطباء الذين يتبنى بعضهم خطابا عنيفا”. ويستفيد النشاط الإرهابي من الخلافات السياسية والظروف الاجتماعية غير المستقرة، ويجعل من الصراعات والمناكفات عاملا محفّزا على تنفيذ عملياته واستهداف قوات الأمن، فضلا عن سوء إدارة الأزمات والأداء السياسي الضعيف لصناع القرار. ويرى متابعون للشأن التونسي أنه توجد فوارق كبيرة بين نسق التقدم المجتمعي في الداخل وسرعة التحولات الخارجية، معتبرين أن التنظيمات الإرهابية تركّز على استقطاب فئات معينة تمر بأزمات نفسية وأخرى اجتماعية تغذيها البطالة والفقر. رافع الطبيب: مشكلة تونس هي تأخر الإصلاحات خاصة إصلاح التعليم وأفاد رافع الطبيب، الخبير التونسي في الحركات الإسلامية، بأن “مشكلة تونس بالأساس هي تأخر الإصلاحات وخصوصا إصلاح التعليم، هناك سرعة التحول المجتمعي لكن في نفس الوقت الآليات بقيت متخلّفة، والتنظّم المجتمعي لم يعد يتوافق مع التطورات الحاصلة في العالم”. وقال في تصريح لـ“العرب” إنه “على المستوى الأمني والاستخباراتي هناك انتصارات، ولكن نشاط الإرهاب تطور أيضا ولم يعد يقتصر على التواجد في المناطق بل أصبح يبحث عن أشخاص معينين وتحويلهم إلى متطرّفين، وخصوصا من لهم مشاكل نفسية”. وحول استمرار نشاط الخلايا بالرغم من الضربات التي تلقتها التنظيمات الإرهابية محليا وإقليميا، أكد رافع الطبيب أن “الأموال مازالت تصل إلى الإرهابيين، وهم ينشطون أساسا على الحدود بين تونس وليبيا والجزائر، إلى جانب ضعف المنوال التنموي والاجتماعي لتلك المناطق التي يتحرك فيها الإرهاب بسهولة”. واعتبر أنه “ما لم يكن هناك توافق على سياسات مشتركة لضرب الجماعات الإرهابية فإن الفكر المتطرف سيستمر في الانتشار”، داعيا السلطات إلى مقاومة التهميش، “لأن الدولة عندما تتخلى عن دورها الرئيسي يتواصل الإرهاب، ولا بدّ أن تستعيد الدولة قيمتها الحقيقية”. وفي خطوة لتحصين المجتمع ضد مخاطر الإرهاب أعلنت تونس مؤخرا عن قرارات قضائية تقضي بحل العشرات من الجمعيات في سياق محاولة السلطات محاصرة المال الأجنبي المتدفق، لاسيما المشبوه منه. وأفاد الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي لطفي حشيشة بأن القضاء التونسي أصدر قرارات تقضي بحل 47 جمعية متورطة في تلقي تمويلات أجنبية مشبوهة، فيما عرضت ملفات 36 جمعية أخرى على القضاء بشبهة تمويل الإرهاب والفساد المالي. ويوجد في تونس إجماع على أن شبكة الإنترنت مثلت ولا تزال تمثل أرضية مناسبة لاستقطاب وشحن شباب تونس خصوصا عبر نشر أفكار متطرفة تدعو إلى القتال باسم الدين ونشر العنف والتطرف. ومن الأسباب الأكثر شيوعا التي جعلت العديد من شباب تونس أكثر ميلا إلى التطرف تردي الأوضاع الاقتصادية، مع تعطل 30 في المئة من هؤلاء الشباب عن العمل، وتدني مستوى التعليم، والفشل في غرس التفكير النقدي، والشعور العام بخيبة الأمل التي بددت أمل الكثير من الناس في تحسن الأوضاع. وفي تونس لا يمكن حصر أسباب التطرف في البطالة أو غيرها من الأسباب الاجتماعية، بل هناك أيضا مشاكل في المؤسسات الدينية التي تم تهميشها، وهو ما فتح أبواب المساجد بعد الثورة لتصبح مجالا لتغلغل السلفية الجهادية واستقطاب الشباب.

مشاركة :