المذاهب الفكرية في الخليج العربي والعلاقة الحذرة

  • 3/29/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نتكلم عن الخطاب الليبرالي الخليجي لا نعني به –بالطبع– الخطاب الفكري المتكامل الذي تكون في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فهذا الخطاب الليبرالي الأوروبي لا وجود له على الإطلاق في منطقة الخليج لا على مستوى الرأي أو مستوى التفكير والتنظير.. منذ أوائل الثلاثينيات الميلادية ظهرت دراسات في منطقة الخليج تناولت التيارات الفكرية في المنطقة من قومية وليبرالية وماركسية وناصرية وغيرها مركزة على عوامل ظهورها وأهدافها وبرامجها وتجاربها ودور بعض النخب الفكرية في استخدامها كوصفة علاجية لعلل المنطقة، رغم أن تلك المذاهب الفكرية لم تقدم لمنطقة الخليج العربي مشروعًا حضاريًا منفتحًا لا على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الفكري وانما ساعدت في إخفاقات وتراجع المنطقة وبالذات في نسقها المجتمعي الحضاري وخلقت مشكلات فكرية وثقافية من خلال تعدد وتناقض خطاباتها كالخطاب القومي والخطاب النهضوي والخطاب الليبرالي والخطاب الماركسي رغم فشل أطروحات تلك الخطابات والنظر اليها كخطابات جاءت من خارج ثقافة المنطقة، وإن كان الخطاب الليبرالي استطاع أن يفرض رؤيته بعد إخفاقات المنظومات الفكرية الأخرى ويؤكد حضوره عالمياً. فقد رصدت إحدى الدراسات الحديثة حركة الخطاب الليبرالي الخليجي وذلك من خلال دراسة عينة للنتاج الفكري لرموز هذا التيار، مركزة على العلاقة ما بين الليبرالية كما هي في مصدرها الغربي، والليبرالية في الخطاب الليبرالي الخليجي. فالخطاب الليبرالي الخليجي يرجع منجزات الغرب إلى المنظومة الفكرية الأوروبية، ثم يعود ويؤكد أن أسباب التخلف يرجع إلى غياب تلك المنظومة الفكرية الغربية عن الفكر السائد في الخليج، ويرى أن التقدم مرهون بتبني تلك المنظومة الفكرية الليبرالية، وبث الثقافة الليبرالية في المجتمع. ولكي يبرهن الخطاب الليبرالي على صدق نظريته بحتمية الليبرالية يقدم قراءات تاريخية للتراث وهي قراءات متحيزة وانتقائية تركز في الغالب على الجانب السالب في التاريخ والفكر الناتج عن طبيعة هذا السالب لتعميم النتائج على التاريخ كله، ثم يعود إلى واقعنا المعاصر ويلحق مساوئ الحاضر بالتراث باعتبار أن واقعنا ما هو إلا نتاج ثقافة الماضي، هذه الخديعة المنهجية تهدف إلى نفي الماضي وثم تجاوزه وإحداث قطعية معرفية معه. والقراءة الأخرى للخطاب الليبرالي الخليجي تكمن في قراءة الواقع الأوروبي قراءة إيجابية تبحث عن مصادر قوته وتبلغ القراءة مبلغها في التزييف عندما تبرر السلوك السلبي والفكر المتطرف في التاريخ الأوروبي بأنه نتاج طبيعي وضروري في آليات النهوض والتقدم والتطور، وهذا الخطاب يجعل من أوروبا نموذجًا وتطورها نتاجًا للقيم الليبرالية. ولذلك يتخذ الخطاب الليبرالي الخليجي الغرب نموذجًا للتقدم، وهذا ما جعله يستبطن الزمن الغربي فهو بداية يعيد تجربة أوروبا في صراعها مع الكنيسة فجعل من قضية الثقافة السائدة ومنها الدين قضية أولية وأساسية في عملية النهوض وذلك بالارتهان بلا وعي للتجربة الغربية، وهذا ما يجعله يعيد استنساخ التجربة.. ومن ثم يؤسس لنفسه مسلمات غير قادرة على استيعاب الواقع الخليجي كما هو، لأنه يحاول إسقاط التجربة التاريخية الغربية التي أنتجها العقل الغربي على الواقع الخليجي، وكل هذا أدى بالخطاب الليبرالي الخليجي إلى نفي التاريخ ليؤسس مشروعه على الزمن الغربي مما جعل منه خطابا لحظيا ليس له ماضٍ ولا مستقبل، ولذلك أصبح غير قادر على استيعاب واقعه. ولكن عندما نتكلم عن الخطاب الليبرالي الخليجي لا نعني به –بالطبع– الخطاب الفكري المتكامل الذي تكون في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فهذا الخطاب الليبرالي الأوروبي لا وجود له على الإطلاق في منطقة الخليج لا على مستوى الرأي أو مستوى التفكير والتنظير. وإن كان ما مر معنا عن الليبرالية في الخليج العربي ليس هو التوجه الغالب على العقلية الليبرالية في الخليج أو إدانة لكل المفكرين الليبراليين الخليجيين أو معظمهم.

مشاركة :