الرواية حياة، يعيشها الكاتب وكذلك القارئ، تربطهما علاقة قد تكون أبدية مع شخصياتها، وربما قد لا تكون هناك علاقة، بل أحيانا كأن القارئ يسير بين جموع من البشر لا يلفت نظره أحد، لكن الكاتب الجيد هو من يجعل القارئ يخرج من بين تلك الجموع وقد اصطحب معه مجموعة من الشخصيات، رئيسة أو ثانوية، أو حتى ضيوف شرف. لكن "هل هناك ضيوف في الرواية"؟ كان هذا محور المحاضرة التي نظمتها مبادرة "بيت الرواية" واستضافها النادي الأدبي في الرياض، وجاءت بعنوان "ضيوف شرف الرواية: شهادة سردية"، وتحدث فيها عبدالعزيز الصقعبي الروائي والمسرحي عن الضيوف والشخصيات الممتعة والمعبرة عما يدور في ذهن الكاتب والقارئ معا. الشخصيات النامية والمتغيرة لا يبدو الحديث عن الضيوف غريبا في دولة عرف شعبها بأنه مضياف، يحتفل هذا العام بعام القهوة السعودية، والقهوة بكل تأكيد ارتبطت بالضيافة، وانتقلت بدورها من الواقع إلى الدراما والسينما، فغالبا نقرأ في تتر بداية الأفلام والمسلسلات "ضيف الشرف" أو "ضيوف الشرف"، ويندرج تحت ذلك أكثر من اسم. وفي تبسيطه لمفهوم "ضيوف الشرف"، يقول الصقعبي "إن كثيرا من الممثلين في السينما والدراما شاركوا في الأعمال تحت ذلك الاسم، فهم ليسوا الأبطال، بل ضيوف لمشاهد قصيرة، أقرب إلى مشاهد ممثلي الكومبارس، وهذا جعل بعض الفنانين يرفضون المشاركة، لكن الأغلبية شاركوا مجاملة للمخرج أو المنتج أو بعض الممثلين، أو لرغبة في المشاركة وكسب مبلغ من المال دون عناء، وبالطبع الدور لا بد أن يكون بمواصفات خاصة، أي بعيدا عن أدوار الكومبارس". أما في الرواية، فهنالك كثير من الدراسات والكتب التي تحدثت عن الشخصيات في الرواية، ولا سيما الشخصيات غير الرئيسة، فهنالك النامية أو المتغيرة، وهنالك المسطحة والبسيطة، والثابتة. يقول الصقعبي "نحن من خلال قراءاتنا نتذكر كثيرا من الشخصيات الروائية التي تبقى حاضرة في ذهن القارئ، والأمثلة كثيرة، وأيضا من خلال قراءاتنا، نفاجأ بشخصيات تظهر فجأة ثم لا ندري ماذا يحدث لها، وبالطبع هذا نجده في كتابات بعض غير المتمرسين في كتابة الرواية". ويبين عبدالعزيز الصقعبي، الحاصل على المركز الأول في جائزة الأدب ضمن الجوائز الوطنية الثقافية، أن هنالك شخصيات رئيسة وشخصيات ثانوية، وهنالك شخصيات بينهما، "وبالطبع أرى أنها هي من نطلق عليه ضيف شرف". حديث الصقعبي جاء بالاستفادة من مشواره في القصة والرواية، فقد أصدر في مسيرته مجموعة قصصية بعنوان "لا ليلك ليلي ولا أنت أنا"، ومسرحية مونودرامية حملت اسم "صفعة في المرآة"، وعددا من الروايات، منها "رائحة الفحم"، "حالة كذب"، "طائف الأنس"، وآخرها "مُرضي" الصادرة حديثا. الشخصيات ممتعة للقارئ والكاتب أيضا من خلال تجربته الثرية، يتوقف الصقعبي عند أبطال روايته "رائحة الفحم" سعيد وسكون ودنيا، وعلاقته بهم لا تزال قوية، حتى بعد مرور أكثر من 30 عاما على صدور الرواية، تضاف إليهم عشرات الشخصيات التي وردت في رواياته السبع التي صدرت بعدها، "فكل واحد أو واحدة من تلك الشخصيات كانت لي حكايات طويلة معه أو معها، وعندما أتوقف عند كل شخصية، سأحتاج إلى زمن أطول ومساحة أكبر، لكن بكل تأكيد سأترك الأمر للقارئ أولا وللناقد والباحث ثانيا، ربما سيجد بعض الحوارات التي تبدأ من صفحات الرواية، ولا تنتهي". حينما كتب شخصية "سكون" في رواية "رائحة الفحم"، كتبها لتكون تلك المرأة المتمردة، لم يعطها حقها في الرواية، لأسباب عزاها إلى حداثة تجربته وقوة الرقيب في داخله حينها، لكنه يقول على لسانها "إنها ما زالت تنتظر فرصة للعودة، ليعرفها القارئ بصورة أفضل، أنا وهبتها اسم سكون، وهي عكس ذلك، هي حركة، ثورة، انفجار، صخب". يسير بنا الصقعبي إلى حقيقة أن شخصيات الأعمال الروائية ممتعة للكاتب قبل أن تكون ممتعة للقارئ، "فهي تعبر كثيرا عما في داخله، وتساعده على تحديد علاقته بالإنسان، المجتمع، والمتغيرات الحضارية، وكذلك علاقته بالمرأة، ويتضح ذلك في العدد الكبير من النساء اللاتي تحدثت عنهن في مقامات النساء، التي خلطت فيها بين الواقع الحقيقي والخيال". قدم تأثيره وغادر في المحاضرة التي أدارتها الدكتورة زينب الخضيري الروائية، وحضرها جمع من الأدباء والقراء والقارئات، طرح الصقعبي أمثلة من رواياته، ليفسر سبب إطلاق "ضيف شرف" على الشخصية، ففي رواية "حالة كذب" حضر الضيف الناقد عبدالرزاق، وهو رجل من العراق يشبه ناظم الغزالي، تحدث عن محمد مهدي الجواهري الذي مات في تلك الأيام، كان للشخصية تأثير في البطل، ليكون "ضيف شرف"، لكونه هو أفضل من يتحدث عن الجواهري، وبالطبع يضيف قيمة معلوماتية إلى الرواية. وفي رواية "طائف الأنس"، قدم الروائي الصقعبي شخصية تدعى خليل، والده صديق لوالد البطل، لكنهم يسكنون في حي آخر، الشخصية مختلفة تماما عن "دحيم" شخصية الرواية الرئيسة، أكثر انفتاحا وحيوية وأكثر قدرة على الاستفادة من كل شيء، لدرجة أنه استفاد من اسم "الكشتبان" ليكون اسما لإحدى شركاته، ويرى أن البطل لا يصلح لأن يقوم بأي مشروع، لأن فرصا كانت أمامه لم يستغلها، ومن ضمنها أخت زوجته المغربية التي لو طلبها للزواج لوافقت مباشرة، لكنه يسعى وراء الوهم، وضيف الشرف خليل قدم دوره باقتدار وغادر، حيث لا مجال لاستمراره في النص الروائي. الرواية ضيف شرف رواية أخرى في شهادته السردية، تبادر إلى ذهن عبدالعزيز الصقعبي سؤال خارج إطار الشخصية، مفاده: هل يمكن أن تكون الرواية ضيف شرف الرواية؟ يجيب بأن كثيرا من كتاب الرواية أوردوا ضمن السياق أو مقدمات الفصول مقاطع من روايات، إضافة إلى إشارات وعناوين تلك الكتب والروايات، لذا سيتبادر إلى ذهننا كثير من الكتاب، ربما نذكر بورخس وألبيرتو مانقويل، وبكل تأكيد أمبرتو إيكو، الذي قال عنه معاوية عبدالمجيد المترجم المبدع في مقدمة ترجمته لرواية "الشعلة الخفية للملكة لوانا"، "لقد عجزت عن ترجمتها دفعة واحدة، لأنها كانت تصيبني بتخمة معرفية في كل صفحة من صفحاتها"، ربما ذلك الزخم من المعلومات في جميع كتب إيكو وغيره من الكتاب المتميزين يضيف عمقا إلى الرواية، ويقدم الروائي وجبة دسمة من المعرفة، وهنا يكون المتلقي هو الضيف. وتوقف الروائي عند كتب شهيرة، تحكم فيها ضيوف الشرف في مجرى الأحداث، من هذه الكتب أو الروايات "والله إن هذه الحكاية حكايتي" لعبدالفتاح كيليطو، فمن "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم إلى التراث الكبير لأبي حيان التوحيدي وبالذات "مثالب الوزيرين"، منطلقا من قصة الحسن البصري، من "ألف ليلة وليلة"، التي تتقاطع مع قصة حسن ميرو التي تربط بينهما المرأة، وحين يتحدث عن "مثالب الوزيرين" للتوحيدي يشير إلى مقولة لابن خلكان "هذا الكتاب من الكتب المحدودة، ما ملكه أحد إلا وتعكست أحواله، ولقد جربت ذلك وجربه غيري، على ما أخبرني من أثق به"، لقد بث كيليطو في الكتاب حياة، وقدمها كضيوف شرف، ليقدم تلك الحكاية التي هي حكايته. ضيف الشرف حاضر داخل النص وخارجه، والروايات التي تحدثت عن روايات وشخصيات أخرى كثيرة، مثل "مانديل بائع الكتب القديمة" لستيفان زفايج، و"مكتبة ساحة الأعشاب" لإيريك دو كيرميل، وعندما يتوقف أي ناقد أو باحث عند كثير من الروايات ولو لم تتكلم عن الكتب، سيجد شخصيات ربما أوردها الروائي كضيوف شرف للرواية، تضيف شيئا إلى الرواية.
مشاركة :