سوريا التي يتحدث عنها بشار الأسد اليوم ليست هي سوريا التي ورثها عن أبيه. لقد تهشم كل شيء فيها وضاع شعبها بين المنافي ودول اللجوء ولم تعد موجودة على أرضها. يقع الجزء الأكبر منها على الورق حيث اختفى أثرها من الواقع بعد ما شهدته من حروب لم تخطئ الحجر والبشر من خرابها. ليست سوريا بحكومتها التي ما كان لها أن تبقى لولا الحماية الروسية وإن كان الإيرانيون يقولون شيئا آخر وهو ما يؤيده الرئيس الأسد بطريقة مخاتلة. سوريا السياسية بدولتها وسوريا الحقيقية بشعبها. فأين هي تلك الـ”سوريا”؟ حين يصدر الرئيس الأسد قانونا يجرم فيه كل مَن يسيء إلى هيبة الدولة فإنه يقصد سوريته. تلك سوريا لا يهتم بها أحد وليس لها وجود في المجتمع الدولي وهو أمر ليس إيجابيا ولكنه الواقع الذي لا يُخفي عبثه. أما سوريا السياسية فإن أحدا لم يعد يعبأ بها وسوريا الحقيقية صارت تتجول مع السوريين الهائمين على وجوههم بين بقاع الأرض. لذلك فإن الإساءة إلى هيبة الدولة السورية أمر فيه الكثير من المبالغة المجانية. فالسوريون بعد أن تمزق شملهم يقولون أي شيء يذكر بألمهم وعذابهم وحسرتهم من غير أن يكونوا على يقين من أن ذلك الشيء يمثل الحقيقة. حياتهم صارت أشبه بأسطورة، نصفها متخيل والنصف الثاني شخصي. وما بين النصفين تدور الحكايات التي يعتقدون أنها لم تمر على أحد قبلهم. “يا لهول ما جرى”، “لقد نجونا”، “ولكن عداد الخسائر لا يزال يعمل”، وسواها من الجمل التي يتداولها السوريون بيأس صارت تقف بينهم وبين رؤية المشهد الكارثي كما هو. فيما الرئيس لا يفكر إلا بمصيره وسمعته الشخصية ليصدر قانونا لا معنى له في ظل انهيار كل المنظومات القيمية التي تفصل بين الصدق والكذب، بين الأصيل والزائف، بين الصديق والعدو. ◙ حين يصدر الرئيس الأسد قانونا يجرم فيه كل مَن يسيء إلى هيبة الدولة فإنه يقصد سوريته. تلك سوريا لا يهتم بها أحد وليس لها وجود في المجتمع الدولي كل ما يقوله السوريون عن سوريا صار نوعا من الحلم المستعاد. حياة لا يصدق أحد منهم أنه عاشها يوما ما. وهم اليوم لا يفكرون في مصير الدولة التي ذهبت إلى عدمها بعد أن أتعبتهم وأتعبوها وصارت اللعبة أكبر منهم ومنها. لقد شرب الاثنان كأس السم كما لو أنه قارورة عسل وذهب كل واحد منهم إلى عدمه منتشيا بانتصاره. لا يصدق أحد منهم بمن فيهم الرئيس نفسه أن دولتهم لن تُستعاد في المدى القريب. أما الدولة التي يخشى الأسد الإساءة لها فإنها تقيم في رأسه. وهي ذكرى لزمن مضى من غير رجعة. لن تنفع هنا أي محاولة لإعادة تأهيل النظام. فالنظام السياسي ليس الدولة مثلما أن الدولة ليست الشعب. لا مجال هنا لرفع الحدود بين تلك المفاهيم. فمن غير شعب لا وجود للدولة. وما من شيء يوحي بأن الشعب السوري سيعود من شتاته، بقي النظام أم رحل. لقد تغير شيء جوهري في العلاقة بين الإثنين. أقصد الدولة الغائبة والشعب المشرد. شيء له صلة باكتشاف المستقبل الذي هو تعبير مجازي عن اللامستقبل. يقيم السوريون في لامستقبلهم. سواء مَن تشرد منهم أو اختار اللجوء أو أجبر عليه أو مَن بقي في بيته كرها أو مقتنعا ببقائه الذي لا ينطوي بالضرورة على أمل بحياة أفضل. سينظر الأطفال السوريون إلى الخرائط بعيون فارغة. هناك كان الوطن وهنا عاش الأجداد وهناك وقعت الحرب وهنا بقايا الجذور التي تذكر بالماضي. وليس هناك ذكر للدولة. لن تلسع نار الدولة ألسنتهم. سيذهب النظام إلى حتفه حتما. ما الذي سيأخذه معه؟ بعد كل ذلك الخراب لا يهم سؤال من ذلك النوع. ليأخذ النظام معه ما يشاء إذا كان هناك ما يأخذه. سوريا التي يعرفها الجيل الذي عاش الحرب لن تكون موجودة. أما الجيل اللاحق فإنه سيعيش حنين الحكايات القادمة من أفواه أجدادهم وآبائهم الذين أداروا ظهورهم للدولة التي حرمتهم من حق المواطنة قبل الحرب وأثناءها وبعدها إذا كان هناك ما يُسمى بزمن “بعد الحرب”. فهو زمن قد يكون مجرد افتراض. سيكون هناك زمن للحظة يتم يمكن أن تبلع الوطن كله. بعد كل هذا أيعقل أن نصدق أن الرئيس وهو يسعى لحماية الدولة من الأخبار المسيئة على معرفة بحجم الكارثة التي شهدتها سوريا.
مشاركة :