لا تحتاج أسلحة مدمرة وقنابل فتاكة، لهدم مجتمع وتدمير أخلاقيات وتفكيك شعوبه بل لنشر الفساد والانحراف. تغييب وتخدير الشعب. بث الخيبة والإحباط والهموم في نفوس أفراده. ثم تجاهل وإقصاء النخبة المفكرة وتجاهل إبداع الشباب. مقابل وضع الجهلاء على المنصة والحمقى في الكراسي. وبذلك تعطيل التنمية وجمود المشاريع الحضارية التي تستنهض التطور والتقدم. وحين نتساءل لماذا لا يلقى حديث المفكر التنويري عن فضح هؤلاء والإشارة للفساد الاهتمام والمتابعة من الجمهور، نقول إن دور الكاتب والمفكر الأصيل فتح الباب قليلا حتى يستوعب الجمهور فكره، خصوصاً بعد أن طال تخديره وتغييب وعيه. ثم يأتي دور الأجيال المتتابعة على فتح الباب أكثر حتى يفتح على مصراعيه. لا يمكن فتح الباب تماما ولا يمكن للجمهور استيعاب التغيير دفعة واحدة. كما أننا نعيش زمن إنزال العقوبة بمن يشير للحرامي وليس للحرامي نفسه. فكلما كشفت فسادا أو أشرت لخطأ عوقب بالمنع والعزل مما يجعل كثيرين يلتزمون بالصمت خوفا من فقدان وظائفهم أو فرص ترقيتهم وغيرها من امتيازات. شاهدت منذ يومين تسجيلا لكيفية معاقبة ضابط اندونيسي تلقى رشوة. بتجريده من الرتب والنياشين على كتفه وصدره. ثم من لباسه الرسمي أمام زملائه علناً. وكيف انهار باكياً وقام المسؤول بعملية العقاب بمواساته. لحظة مريرة قاتلة من أجل حفنة فلوس. الكرامة لا تقاس بمال. وعزة النفس لا تقدر بثمن. وكذلك سيظل هذا الموقف محفورا بذاكرته وذاكرة أبنائه طوال العمر. تخيلوا لو تم تطبيق هذه العقوبة على كل موظف فاسد يتلقى رشوة لالتزم الجميع خشية من الفضيحة العلنية وتناقل الخبر وكسر النفس. لو طبق القانون لما وجدنا مَنْ يتجرأ على كسره. فحين خنا القانون. فقد هيبته وصار ممسحة يدوس عليها كل خائن للعهد وفاسد. ثم كبر كرش وجيب الفاسد فاشترى مَنْ يطبل ويروج لخرائبه. حين تكون هناك قوة مستقلة تراقب كبار مسؤولي وموظفي الدولة وتقوم بتطبيق القانون بالعدل على الجميع سواسية من دون تميبز... حينها يتراجع الفساد.
مشاركة :