تأملات طه حسين عن «رمضان» (1)

  • 4/4/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دائماً ما كان يمثل شهر رمضان لكبار الكتاب والأدباء في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، مناسبة مواتية للتخفف من أثقال الكتابة السياسية، والارتباطات الكتابية الدورية الأخرى، يأتي هذا الشهر المختلف من العام إلى العام كي يجدِّد الكتاب نشاطهم، ويعيدون شحذ طاقتهم الروحية والنفسية، ويستعيدون بكثيرٍ من المتعة العقلية ألواناً من الذكريات والتأملات الفكرية والدينية والثقافية عن رمضان وحوله أيضاً. ولأن تلك الفترة كانت زاخرة بالدوريات الثقافية الممتازة، مثل «السياسة الأسبوعية» لهيكل، و«الرسالة» للزيات و«الثقافة» لأحمد أمين، وغيرها، أتيح لمعظم الأدباء والكتاب الكبار في تلك الفترة أن يسجلوا الكثير والكثير من كتاباتهم التأملية والإبداعية حول «رمضان» في هذه الدوريات التي تمثل كنزاً ثميناً ونادراً، لم تُكتشف كل جواهره ودرره بعد. وكان الدكتور طه حسين (1889-1973) أحد نجوم الكتابة والصحافة في هذه الفترة بلا منازع، وكان من الذين يعتنون بكتابة مادة مختلفة ومتميزة وخاصة لقرائه في شهر رمضان.. فإما كتابة ذاتية تستدعي أطيافاً من التأملات والذكريات عن طفولته وصباه في القرية، وإما كتابة بحثية جادة ورصينة تحمل معرفة زاخرة عن شهر الصيام وفلسفته، وتحمل أيضاً تأملات دينية وفكرية خصبة لها طابع خاص ومميز. ومن يراجع الجزء الأول من سيرته الأشهر «الأيام» (صدرت للمرة الأولى عام 1927)، يظفر بمشاهد ومقاطع لا مثيل لها في أدبنا المعاصر، من وصف مظاهر حضور الشهر الكريم، ووقعه على الناس في القرية التي كان يعيش فيها طه حسين، وهو صبي صغير، وقد كتب عن حلول الشهر الكريم، وهو طفل في قريته بالصعيد، ليرصد كعادته وبأسلوبه البديع مظاهر السلوك والتغيير في العادات التي تطرأ على الأسرة خلال الشهر الفضيل، وتكاد تكون المشاهد التي سجلها طه حسين في أيامه محفوظة من كثرة ما رجع إليها الكتاب واستشهدوا بها. من ذلك على سبيل المثال، ما يصف به ملتقيات قراءة القرآن في بيوت الموسرين إذا حلَّ الشهر الكريم، وقد كان ذلك مألوفاً في الأرياف والصعيد، يكتب طه حسين: «ولكن رمضان أقبل، وكان الناس يجتمعون في ليالي رمضان عند رجل من أهل المدينة وجيهٍ يعمل في التجارة، وكان سيِّدنا يقرأ القرآن عند هذا الرجل طوال الشهر، وكان الصبي يرافق سيِّدنا ويريحه من حين إلى حين بقراءة سورة أو جزءٍ مكانه، فقرأ ذات ليلة وسمعه هذا المفتش، فقال لأبيه: إن ابنك لشديد الحاجة إلى تجويد القرآن. قال الشيخ: سَيُجَوِّدُه متى ذهب إلى القاهرة على شيخ من شيوخ الأزهر.. قال المفتش: فأنا أستطيع أن أجود له القرآن على قراءة حفصٍ، حتى إذا ذهب إلى الأزهر كان قد ألمَّ بأصول التجويد، وأعُدَّه بذلك للأزهر إعداداً صحيحاً. و«رمضان» يحضر وبقوة في نصوص طه حسين بشكل مختلف، إذ نراه يكتب فصلاً بديعاً عن فلسفة الصيام، ومغزاه، في كتابٍ نادر وفريد له بعنوان «مرآة الإسلام»، وهو كتاب صدر للمرة الأولى في عام 1959، ويعالج في صفحات منه موضوعات تتأمل الصوم كعبادة روحية على نحوٍ تأملي فلسفي في جانبه الروحي والديني، والتعبدي والعقدي.. (وللحديث بقية).

مشاركة :