بائع زجاجات الحليب يعود ليطرق أبواب البريطانيين مجددا

  • 4/4/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يحتاج كريس الذي يسكن في لندن للحصول على الحليب سوى فتح باب منزله فقط، وهناك يجد أمامه زجاجة من الحليب الطازج نصف الدسم في انتظاره. ويقول كريس “إنني سعيد للغاية بقدوم بائع اللبن صباح كل يوم (…)، وعلى أية حال إنه تقليد يمثل قطعة منا مثل الإفطار البريطاني”. وكان تقليد توصيل بائع الحليب صناديق زجاجات اللبن إلى منازل السكان من الملامح القديمة المنتظمة للحياة البريطانية، وغالبا ما كان البريطانيون يستيقظون على صوت قعقعة الزجاجات بلطف عند الفجر، في تراث يرجع إلى زمن أبعد من أن يتذكره أحد. وكان بائعو الحليب يحظون بشعبية واسعة ويلقون إقبالا، وكانوا بالنسبة إلى البعض بمثابة مؤشر على أن الدنيا مازالت بخير. خدمة توصيل الحليب إلى منازل السكان "تماثل العثور على كنز على عتبة الباب كل صباح" وذات مرة قال رئيس الوزراء البريطاني الراحل وينستون تشرشل إن “الديمقراطية تعني أنه عندما تسمع طرقا على الباب في الساعة الثالثة فجرا فسيكون من المرجح أنه بائع الحليب”. وظل هذا التقليد المتوارث مستمرا في أحسن حال، حتى الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان معظم السكان يجدون ضالتهم من هذه الزجاجة المرغوبة في الساعات الأولى من الصباح. وكان ما نسبته نحو 99 في المئة من الحليب يوزع عند أبواب الشقق مباشرة، وفقا للتقديرات التي أذيعت عام 1970. غير أنه مع حلول القرن الحادي والعشرين أصبح توصيل زجاجات الحليب إلى المنازل من مخلفات الماضي، وظلت الكميات التي يتم توصليها تتراجع إلى أن تلاشت نهائيا تقريبا. ويرجع السبب في ذلك أساسا إلى ارتفاع شأن المتاجر الكبرى، التي نتيجة قوتها في السوق أخذت تعرض عبوات الحليب بأسعار زهيدة. وفجأة أصبح أسلوب توصيل زجاجات الحليب إلى المنازل نوعا من الترف لا يستطيع تحمل تكلفته سوى القلة. وفوق كل ذلك جاء رواج بدائل الألبان، حيث أصبح المستهلكون يفضلون تناول لبن الشوفان أو فول الصويا أو اللوز بدلا من اللبن البقري. ثم تفشت جائحة كورونا وقلبت أنماط الحياة التي عهدناها رأسا على عقب. وبسبب الجائحة تزايد الطلب على خدمات توصيل السلع إلى المنازل، ومعها عاد بائع الحليب ليطل بوجهه من جديد. وعندما عمّت الجائحة العالم في 2020 وجدت شركة “ذي مودرن ميلكمان” الناشئة -التي أسسها أربعة أصدقاء في لانكستر بوسط إنجلترا- نفسها في وضع لا تستطيع فيه تلبية الطلبات المتزايدة. وتأسست هذه الشركة أصلا لتقدم الخدمات إلى المجتمع المحلي المحيط بها، وفجأة وجدت أن 1200 زبون جديد كل يوم يطلبون خدماتها، واحتاجت الشركة إلى تشغيل وتدريب ما يصل إلى عشرة سائقين كل يوم. وأحد أكبر موردي زجاجات الحليب هو شركة “ميلك آند مور”، وهي شركة يرجع تاريخها إلى أكثر من 130 عاما، وتعد أول من قام بتوصيل الحليب إلى المنازل في ثمانينات القرن التاسع عشر. وقال رئيس الشركة باتريك موللر إن شركته تشغل الآن نحو ألف عامل في خدمة التوصيل، يقدمون الخدمات لقرابة 400 ألف منزل في جميع أنحاء بريطانيا. تقليد له قيمته تقليد له قيمته وأصبحت “ميلك آند مور” حاليا شركة مستقلة داخل مجموعة موللر الألمانية التي استحوذت على الشركة عام 2016. ومع ذلك فإن الرغبة في عودة بائع الحليب كانت أكثر من مجرد نتيجة للمخاوف التي ترتبت على الجائحة. ويقول موللر “إننا شهدنا زيادة متجددة في الاهتمام بخدماتنا وبتوصيل زجاجات الحليب حتى أبواب الشقق منذ عام 2017، بعد أن أحدث الفيلم الوثائقي الذي أذاعته محطة ‘بي.بي.سي’ بعنوان ‘كوكب الأرض الأزرق’ -الذي قدمه المذيع ومؤلف الكتب العلمية ديفيد أتينبورو- طفرة في طلب المستهلكين على آليات وحلول التسوق الصديقة للبيئة”. ويضيف “كنتيجة لذلك صار المستهلكون أكثر اهتماما بحماية كوكب الأرض، وأخذوا يبحثون بنشاط عن تجار التجزئة -مثل شركتنا- الملتزمين بالاقتصاد الدائري، ويتجنبون العبوات البلاستيكية”. وأوضح موللر أن “التوجه نحو المحافظة على البيئة أدى إلى حدوث نمو ملحوظ ودائم في التسوق المستدام، بدأ قبل فترة طويلة من الجائحة، ولكنه بالتأكيد حصل على قوة دفع بسببها”. ومثلها مثل الكثير من الشركات الأخرى العاملة في مختلف أنحاء بريطانيا، تستخدم هذه الشركة مركبات كهربائية لتوصيل الطلبات، ولديها واحد من أكبر أساطيل عربات الفان الكهربائية في بريطانيا. وبالإضافة إلى ذلك تستخدم الكثير من شركات توريد الحليب العصرية مثل “ميلك آند مور” زجاجات يعاد استخدامها بدلا من العبوات البلاستيكية، وهو تقليد مبجل أيضا عند البعض. ويمكن حاليا لأي شخص في بريطانيا لا تصل زجاجة الحليب حتى باب بيته، أن يبحث في شبكة الإنترنت عن شركة تقوم بتوصيل الحليب، بفضل تطبيق أتاحته رابطة صناعة الألبان البريطانية (دايري يو.كيه). وبالعودة إلى الموظف المتقاعد كريس الذي يقطن في غرب لندن، فإنه ينظر إلى الوراء بشغف، عندما كان الحليب يصل داخل زجاجات رائعة مغلقة بشرائح من المعدن الرقيق الفضي. وكانت هذه الأغطية تأتي بألوان مختلفة، لتخبر الزبائن بما إذا كان الحليب كامل الدسم أو نصف دسم. ولا يقوم الموردون المحليون بتوصيل زجاجات الحليب فحسب، وإنما يوصلون أيضا القشدة والزبدة والبيض والزبادي وعصير البرتقال. ومعظم المنتجات تنتج محليا. وهذه الخدمات ليست رخيصة الثمن، خاصة في وقت ترتفع فيه أسعار الطاقة، ولكن بالنسبة إلى الكثيرين فإن الخدمة تتيح مزيجا مرحب به من الراحة والعودة إلى تقليد له قيمته. وقالت الزبونة الجديدة جو هيتون من مقاطعة دورست لمحطة “بي.بي.سي” إن “هذه الخدمة تماثل العثور على كنز على عتبة الباب كل صباح”.

مشاركة :