العرب وسايكس بيكو.. الجهل المزدوج بالتاريخ!

  • 8/9/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

حينما تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو قبل مائة عام كان معظم العرب يغطّون في سبات عميق بحكم التخلف العام الذي كان يهيمن على المجتمعات العربية في ذلك الزمان، إذ مرت هذه الاتفاقية الكارثية، التي جرى توقيعها بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والدبلوماسي البريطاني مارك سايكس بعد مفاوضات سرية على مدى ستة أشهر من نوفمبر عام 1915 إلى مايو 1916م بشأن تقاسم النفوذ بين فرنسا وبريطانيا في منطقة الهلال الخصيب بمصادقة روسيا القيصرية فيما كان يسمى بتقاسم تركة «الرجل المريض» تركة دولة الخلافة العثمانية التي كانت متسيدة في المنطقة، أقول مرت هذه الاتفاقية حينذاك دون علم الشعوب والنخب العربية التي كانت تجهل ما يحاك ضدها ومستقبلها من مؤامرات وترتيبات بالغة الأهمية والخطورة. غير أن ما هو مؤسف حقّاً أن تنقضي مدة مائة عام على توقيع هذه الاتفاقية التي مزّقت الوطن العربي إرباً إرباً وما زال معظم العرب يجهلونها ولم تستثر فيهم الفضول والاهتمام حتى الآن! فمنذ توقيعها تعاقب أكثر من ثلاثة أجيال من الآباء والأبناء والأحفاد العرب في واقع التقاسم والهيمنة الاستعمارية الغربية والصهيونية، ومازال الجهل بالتاريخ هو سيد الموقف لاسيما عند الجيلين الأول والأخير، فإذا كان الجيل العربي ما بعد سايكس بيكو ووعد بالفور 1917م الذي أُعلن عام 1926م لم يعِ الأمر إلا بعد نكبة فلسطين في 1968م؛ فإن الجيل العربي الراهن يعيش نتائج الاتفاقية في ظل جهل شبه مطبق بفحواها. وهذا ما يمكن مشاهدته هنا والآن من موقف جيل العرب الراهن من سايكس بيكو ووعد بالفور؛ إذ إن معظم الشباب العرب لم يسمعوا بها، ويتصرفون كأنها شأن لا يعنيهم أبداً! وهكذا مرت الذكرى المئوية للاتفاقية قبل أسابيع مرور الكرام ولم يمنحها أحد من العرب ما تستحقه من التوقف والقراءة والاهتمام في الدوائر الأكاديمية والثقافية والإعلامية وفضاءات التواصل الاجتماعي العربي الراهن. وربما كان «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في الدوحة هو المؤسسة العربية البحثية الوحيدة التي أعلنت عن تنظيم مؤتمر علمي يناقش سايكس بيكو ومآلاتها المتمخضة عنها بعد مرور مائة عام من توقيعها بعنوان «المؤتمر الرابع للدراسات التاريخية: العرب من مرج دابق إلى سايكس بيكو (1516 1916)». فمتى يدرك العرب أنهم مثل غيرهم من البشر كائنات تاريخية تعيش التاريخ كما تعيش الأسماك في الماء، وأن تجاوُز التاريخ غير ممكن دون معرفة تاريخية واعية؟!. والتاريخ هو التاريخ ما تمّ وانقضى وليس بوسعنا تغييره غير أنه من المهم والضروري أن نقرأه ونفهمه ونعيه، هذا هو قدَر الإنسان مع ذاته وحياته ومشكلاتها ومع الآخرين ومجتمعه ومشكلاته التي لا فكاك منها مهما حاول الهروب والتهرب واللامبالاة؛ إذ لا بد من المحاولة مرة ومرات وبذْل مزيد من الجهد والبحث والدراسة والنقاش وتداول الرأي والنقد والتقييم. فليس لدينا سبيل آخر للتعرف على المشكلات التي تؤرق حياتنا وفهم العلل والأمراض التي تفتك بنا وبحث السبل والممكنات الناجعة لتجاوزها، فلا عذر لنا طالما نحن موجودون هنا والآن، وقُدِّر لنا أن نكون شاهدين على هذه الحقبة الصاخبة بالحروب والعنف والظلم والظلام وبالمآسي والأزمات والإخفاقات، إذ إنه من المهين أن يكون سر أزمة حياتنا والتقييم الدقيق لمصائبنا وأزماتنا وقفاً على أناس لم يولدوا بعد ولا شيء يمكن انتظاره إن لم نبادر نحن بعمله. حقا إننا «العرب» نعيش لحظة كارثية ومصيراً فاجعاً بعد أن تحطمت شعاراتنا وأحلامنا ومشاريعنا وأوهامنا الكبيرة بالوحدة القومية والاشتراكية الأممية والاستقلال والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية..إلخ، على صخرة التاريخ العتيدة إذ بتنا أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج في كل اتجاه بعد أن فقدت البوصلة ولا تلوح في الأفق القريب بارقة أمل للنجاة. إن مأساتنا تكمن في أننا تعاملنا مع التاريخ بحسن نية ساذجة ومنحناه معنى ليس من طبيعته في شيء، لقد فات علينا ما يبطن التاريخ من مكر وخداع وزوغان، ويستحيل الركون إلى عدالته ذلك لأنه «ليس له عيون ولا يمتلك قلباً رحيماً! فما العمل الآن وما السبيل لتجاوز وضعنا الذي ينذر بأشد العواقب والأخطار؟ ما دمنا لم نغرق بعد، فإن الموقف الوحيد الذي يمكن أن يتخذه الإنسان في وضع كهذا هو الموقف النقدي من الذات، ومن الواقع ومن التاريخ؛ أي نقد الذات وتاريخ الذات الفردي والجمعي ونقد العالم والآخرين.

مشاركة :