الحلوى في رمضانَ على طَبَقٍ من أَدَب

  • 4/9/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قليلة هي الكتب الأدبية التي تخص شهر (رمضان) بالعناية، ومن يفتّش في تلك المؤلفات -قديماً وحديثاً- سيجد صعوبة في الحصول على شيء من ذلك، على الرغم من أن هذا الشهر ليس كباقي الشهور في فضائله، وروحانيته، وعاداته، وموائده، ولعل مرد ذلك يعود إلى أن كثيراً مما كان يكتب حول رمضان من أدب، يرد عادة مضمّناً في أبواب كتاب عام، كما أن لتفرغ المسلمين فيه للعبادة، وعدم انصرافهم لغيرها قد يكون سبباً آخر لعدم التأليف فيه أدبياً. ومن أوائل ما قرأت في العصر الحديث من كتب تناولت علاقة (رمضان بالأدب) كتاب الدكتور علي الجندي، العميد السابق في كلية دار العلوم، حيث وجدت له كتاباً بعنوان (رمضان في الأدب)، وهو في الأصل محاضرة ألقيت بمقر الجمعية الجغرافية المصرية، في مساء يوم الثلاثاء الموافق 10 مارس، سنة 1959م، وقد تحدث في مطلعه عن اشتقاق كلمة (رمضان) وأصلها اللغوي، ثم تحدث عن أحوال الشعراء في استقبالهم لهذا الشهر الكريم، وما في ذلك من وصف الأهلة، وبداياتها، ونهاياتها، وما يتبع ذلك من إشارة إلى بعض العادات التي تكون في رمضان قديماً، وحديثاً. ولعل ما لفت انتباهي فيه هو إشارته للحلواء، حيث أشار إلى أن أمتنا العربية بعامة تحب الحلواء، وساق بعض أقوال أهل اللغة والأدب فيها قديماً، كقول أبي عبيدة: «يقول العرب: كل طعام لا حلواء فيه، فهو خِداج، أي ناقص غير تام»، ومن كلام ابن القاسم: «كما ختم الطعام بالحلواء، ونسخ الظلام بالضياء»، ويقول (بختيشوع): «الحلواء كلها، حقها أن تؤكل بعد الطعام؛ لأن للمعدة ثورانا عقب الامتلاء كثوران الفقّاع، فإذا صادفت الحلاوة سكنت»، وكانت الحلواء يختم بها الطعام كما نفعل نحن اليوم. وقد ساق المؤلف بعض أصناف الحلواء، فذكر من أشهرها: (التمر مع الزبد)، ويحبه أهل البداوة بخاصة، وفيه يقول الشعبي: «ما رأيت فارساً أحسن من زبد على تمر»، ومما ذكره أيضاً (الخبيصة أو الخبيص)، ويعمل في الأصل من السمن والتمر، وقد يعمل من العسل والدقيق، وقد نقل عن الزمخشري: «الخبيصة خاتمة الخبز»، وأظنها اليوم معروفة في دول الخليج وغيرها، ومما ساقه أيضاً (الفالوذج) بفتح الذال، وهي حلواء تعمل من الدقيق، والماء، والعسل، وهو مما يكثر ذكره في كتب الأدب، واللغة، وهي لفظة فارسية معرّبة. ومما نبه إليه المؤلف في كتابه الأدبي أيضاً (اللوزينج) بسكون الواو، وكسر الزاي، وفتح النون، وهي شبه (القطائف) تؤدم بدهن اللوز، فارسية معرّبة، وكانوا يسمونها قديماً (قاضي قضاة الحلاوات)، ولابن الرومي وصف لها يعد من أبدع ما قيل فيها، وهذه الأنواع من الحلوى تتردد كثيراً في بطون الأدب، وفي الشعر منه والنثر. وقد أورد المولف أيضاً بعض الأصناف التي تعد من أشهر الحلاوات في رمضان، وبخاصة تلك التي تصنع من العسل، أو السكر، أو الدقيق، أو ما شابه ذلك، فذكر منها مثلاً (الكنافة)، و(القطائف)، و(الزلابية)، وبعضها ما زال معروفاً إلى اليوم، ولا يمكن الوفاء بالنصوص الأدبية التي تصفها، وتصف حلو طعمها، وقد ذكرها من الشعراء القدامى كثير، كابن الرومي، وأبي هلال العسكري، وابن نباتة، والصفدي، وغيرهم، فضلاً عن المعاصرين.

مشاركة :