تعد الهجرة غير الشرعية واحدة من أبرز القضايا التي كانت وما زالت تحتل مكانة كبيرة على المستوى السياسي والاجتماعي العالمي وتتجدد بمستويات مختلفة كل حين. فقد بدأت في التزايد انطلاقا من الربع الأخير من القرن العشرين، وتصاعدت حدتها في السنوات العشر الأخيرة بسبب الصراعات والنزاعات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.. وهذا الكتاب للباحث العراقي أسعد عبد الحسين خنجر المتخصص في الشؤؤن الأمنية والاستيراتيجية "الهجرة غير الشرعية وانعكاساتها على النظم السياسية في أوروبا" يركز على دول أوروبا كونها المقصد الأول لكل من يقوم بالهجرة غير الشرعية خاصة مع الاضطرابات الأخيرة في العالم. أكد خنجر في كتابه الصادر عن دار العربي أن الهجرة غير الشرعية تشكل تحديًا جديدًا للنظم السياسية في دول أوربا الغربية، مما فرض على النظم السياسية المستقبلة ضرورة أيجاد سياسات استجابة تتساوق مع النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك حتى النظم السياسية نفسها. ومما زاد الوضع تعقيدًا هو أن النظم السياسية الأوروبية المستقبلة تفتقر إلى وجود سياسات موحدة إزاء قضية الهجرة غير الشرعية، إذ تتباين هذه السياسات من دولة إلى أخرى، وتتحكم في هذه السياسات عدد من المحددات، ومن أهمها حجم التهديد الذي تشكله الهجرة غير الشرعية الذي يفرضه الموقع الجغرافي للدولة، وهذا ما أثار جملة من المشاكل والأزمات في القارة الأوربية بين الدول؛ نظرًا لاختلاف السياسات والتوجهات الحكومية للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، فضلًا عن ذلك هناك محددات أخرى تؤدي دورًا في صياغة السياسات اتجاه المهاجرين غير الشرعيين، منها بروز تيارات اليمين المتطرف، والحركات المتطرفة، والتي تشكل حركة "بيغيدا" (Pegida) الألمانية واحدة من أكثر هذه الحركات العنصرية حداثة، إذ تأسست في نهاية عام 2014. ورأى أن هذه المحددات أسهمت في الدفع بٍاتجاه صياغة سياسات متباينة تحكمها ظروف موضوعية، وأخرى ذاتية، فمن جملة هذه الظروف الموضوعية أن هؤلاء المهاجرين لم تكن لهم صفة قانونية (شرعية) تمنحهم حق الدخول إلى بلد معينٍ، لاسيما أن البعض من هؤلاء قد يكون متهمًا بزعزعة الأمن القومي للدول المستقبلة، لارتباطه بجماعات وحركات عنصرية، أما الظروف الذاتية تكمن في كون معظم هؤلاء المهاجرين هم من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا يشكل دافعًا نحو أعادة الذاكرة للحكومات الأوربية، بالصورة النمطية التي كونتها عن الشرق الإسلامي. ولفت إلى أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ومعاداة الأجانب تعد من أبرز المتغيرات التي أوجدت مساحة سياسية واسعة لبروز اليمين المتطرف، إذ وظفت هذه الأحزاب مسألة العداء للمهاجرين غير الشرعيين ضمن أولويات برامجها الانتخابية، وأصبحت الهجرة غير الشرعية تحتل الأولوية في الخطابات الشعبوية القومية، فالمهاجرين غير الشرعيين يشكلون تهديدًا على النظم السياسية لهذه الدول من جوانب متعددة، وتأتي التهديدات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية هي المحور الأساسي بهذا الصدد. لقد أسهم المشهد السياسي في أمريكا والمتمثل في فوز دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية التي أجريت في (8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016)، والذي أشتهر بخطاباته المتطرفة اتجاه المهاجرين، وقد شكلت هذه الحالة تهديدًا جديًا للعالم، وعاملًا محفزًا لليمين المتطرف الأوربي بشكل عام، وفرنسا وايطاليا خاصة، لاسيما أن الرئيس ترامب كان لديه طموحات لإيجاد تحالف مع بعض الحكومات في النظم السياسية لدول أوربا الغربية تتناغم مع سياساته العالمية وتتعاطف معه في هذا الإطار. وتطرق خنجر إلى أحزاب اليمين المتطرف في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليونان وهولندا وأسبانيا وبلجيكا والنمسا وغيرها من الدول الأوربية، مؤكدا أن "المتغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة السياسية في دول أوربا الغربية والمتمثلة، بالهجرة غير الشرعية، وما تبعتها من أزمات داخلية التي ظهرت في النظم السياسية لدول أوربا الغربية خدمت اليمين الفرنسي، وجعلت من الساحة السياسية الفرنسية أكثر فاعلية نتيجة لتصاعد حدة التنافس السياسي بين أحزاب اليمين التي برزت استجابة لمتغيرات الوضع الداخلي في فرنسا، وبين اليسار التقليدي الممسك بزمام السلطة والتي انعكست هذه المتغيرات سلبًا على حظوظه الانتخابية.أما بالنسبة إلى أحزاب اليمين المتطرف في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فقد تميزت ببروز العديد من الأحزاب السياسية ذات التوجهات اليمينية، فإلى جانب الأحزاب اليمينية القديمة المتمثلة بالرايخ الاشتراكي، وحزب اتحاد الشعب الألماني، وحزب الجمهوريين، برزت هنالك أحزاب جديدة تمثل اليمين المتطرف الألماني أحدثت ضجة سياسية واجتماعية، ويُعد حزب البديل من أجل ألمانيا، وحركة "بيغيدا" من أبرز هذه الأحزاب". وأشار إلى أن أحزاب اليمين المتطرف في أوربا مجتمعة ترتكز إلى مجموعة من المبادئ التي تسعى إلى تحقيقها، ومن أهم هذه المبادئ هي: أولا العمل على رفض المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى دول أوربا الغربية، وأبعاد الأجانب المقيمين في هذه الدول وعدم التسامح معهم. ثانيا الانتقاد المستمر للنخبة السياسية الممسكة بزمام السلطة، بغض النظر عما كانت من أحزاب اليمين الوسط أو اليسار باتجاهاته المختلفة. ثالثا تركز هذه الأحزاب من حيث الجانب الاقتصادي على مساندة الرأسمالية، وتمتاز برفضها للاشتراكية، فضلًا عن ذلك أن معظم أحزاب اليمين المتطرف في دول أوربا الغربية تعارض فكرة التكامل الأوربي، وتعد ذلك بمثابة تهديد للقوميات ومحاولة وانصهارها في دولة واحدة. وأوضح خنجر أن أحزاب اليمين المتطرف في دول أوربا الغربية بدأت توظف قضية الهجرة غير الشرعية من أجل الكسب الانتخابي، ومن خلال ذلك يتم التركيز على المهاجرين العرب والمسلمين على وجه الخصوص، عبر محاولة استغلال بعض الأحداث التي شهدها العالم وتوظيفها على أنها من صنع العرب والمسلمين، ولعل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، هي الحدث الأبرز الذي تذكر الأحزاب اليمينية دائمًا به، ولعل ما حققته الأحزاب اليمينية من نجاحات انتخابية كانت نتاج لعدة عوامل، ويعد عامل الهجرة غير الشرعية من أهمها، ومن أبرز هذه الأحزاب هي: "الكتلة الفلمنكية" في بلجيكا، و"الجبهة الوطنية" في فرنسا، و"عصبة الشمال" في ايطاليا، و"حزب الحرية" في النمسا، و"حزب الشعب" في السويد أمثلة بارزة على ذلك. ولاحظ أن محاولات التوظيف السياسي، لقضية الهجرة غير الشرعية قد تم في اتجاهين أساسيين هما: الأول يتعلق بالجانب الثقافي ومحاولة إظهار أن المهاجرين يهددون هوية الغرب، من خلال السعي إلى "أسلمة الغرب"، أما الثاني فهو يركز على الجانب الأمني وذلك لبروز بؤر للتوتر لم تكن موجودة سابقًا، من خلال ما شهدته بعض العواصم الأوربية من تمرد من قبل بعض الأحياء الشعبية ضد الفقر والبطالة هذا من جهة، ومن جهة أخرى تنامي النزعات الانفصالية لعدد من الأقاليم والجزر، وهذا ما يشكل تهديدًا دخيلًا للنظم السياسية في أوربا الغربية، إذ لم تشهد من قبل مثل هكذا حوادث، والأخطر من ذلك تعرض بعض من دول أوربا الغربية إلى اعتداءات إرهابية ضربت مراكز حيوية من باريس وبروكسل، وهذا ما ذهبت أليه أحزاب اليمين المتطرف من وضع المهاجرين غير الشرعيين موضع الاتهام والمسؤولية. وتوقف خنجر مع جملة الإجراءات الأمنية الوقائية التي اتخذتها الدول الأوروبية لافتا إلى أن حقيقة تجاهل الإعلام والحكومات في دول أوربا الغربية عن مسؤولية أحزاب اليمين المتطرف، عن بعض الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العواصم الأوربية، ومن ذلك ما حصل من اعتداء إرهابي في أوسلو، في "22 يوليو 2011"، على أن أخطر الجرائم الإرهابية التي ارتكبت على يد "الذئب المنفرد"، اليميني القومي "حزب التقدم النرويجي" يدعى "أندريس بريفيك"، والذي راح ضحية هذا الاعتداء المزدوج ما يقارب 76قتيلًا، وغياب الإعلام والرأي العام في التركيز على هذه الحادثة، ومحاولة إلصاقها بالمهاجرين غير الشرعيين، هذه الحادثة كشفت عن أن معظم الرأي العام في دول أوربا الغربية يتأثر بالإعلام الأوربي الموجه. ويعزى ذلك إلى أن كراهية الأجانب تأتي ضمن أولويات دوافع هذا النوع من الإرهاب. وأضاف أن الهجرة غير الشرعية أصبحت أحدى أهم العناصر الرئيسة في السياسات العامة الأمنية لهذه الدول، من خلال تبني تحديثات جديدة على السياسات السابقة، والتي أتيحت للسياسة الأمنية ضمن أولويات السياسات الحكومية، وتأخذ بذلك كل من فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واسبانيا، والدانمارك في مقدمة هذه الدول، وتهدف كل هذه السياسات إلى الحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى دول أوربا الغربية بما في ذلك أعداد طالبي اللجوء، وتنطلق في ذلك من خلال الحفاظ على الأمن والاستقرار لهذه الدول، لاسيما بعد تنامي ظاهرة الانتماء للتيارات المتطرفة والجماعات المسلحة من قبل الشباب الأوربي، وتأثره بالأفكار المتطرفة التي يسوقها تنظيم داعش لاستقطاب الشباب إلى القتال في سوريا والعراق. وحول تأثير القوانين والإجراءات الأمنية في المهاجرين غير الشرعيين، أشار خنجر إلى أن الحكومات الأوربيةاتبعت إجراءات أمنية صارمة انعكست بشكل سلبي على الوضع الإنساني بالدرجة الأساس للمهاجرين غير الشرعيين، وما رافق هذه الإجراءات من تحشيد كل الإمكانيات والأدوات المتاحة من قبل أحزاب اليمين المتطرف ضد المهاجرين، اتجهت هذه الضغوط في جوانب متعددة؛ فبعضها تجسدت في صورة ممارسة الضغوط على الحكومات، والبعض الأخر ركز بجانب كبير على توظيف وسائل الإعلام بوصفها أهم أدوات التعبئة ضد المهاجرين، فضلًا عن حدوث متغيرات داخلية وخارجية على الساحة السياسية في دول أوربا الغربية تصب في مصلحة التيار المعارض للمهاجرين، أسهمت في تأزم الأوضاع المعيشية للمهاجرين، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، هذا من جانب، ومن جانب أخر كان لبروز أحزاب اليمين المتطرف هو الأخر أدى دورًا في تفاقم أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء". وشدد خنجر على أنه كان لبروز التيارات اليمينية دور في تنامي النزعات العنصرية المعادية للمهاجرين غير الشرعيين ضمن أطار الاتحاد الأوربي، فضلًا عن الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية بالتحريض ضد تواجد المهاجرين، مع التأكيد على المهاجرين العرب والمسلمين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. ورأى أنمعظم الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الأوربية ضاعفت من تراجيديا المهاجرين، وصلت إلى حدوث وفيات بين المهاجرين غير الشرعيين ناتجة من خلال عمليات الترحيل القسري، وإجراءات السجن الإجباري للمهاجرين في أماكن تفتقر لا بسط مقومات الإنسانية، وتنتهك المادة الخامسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، والمادة التاسعة من العهد الدولي الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وتعزو الحكومات الأوربية هذه الإجراءات الصارمة إلى ما وصفتها بالمعضلة الأمنية التي سببت خللًا في النظام الاجتماعي مما انعكست سلبًا على الاستقرار السياسي. وأكد خنجر أن الصورة النمطية المصطنعة التي يرسمها المواطن الأوربي عن العرب والمسلمين، وارتباطهم بالعنف الدولي، فضلًا عن غياب الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط أسهم في ترسيخ الصورة السلبية وكان لها الدور الأكبر في تأثيرها في المهاجرين وطالبي اللجوء. كما أن مسألة التمييز بين المهاجرين غير الشرعيين والعناصر الإرهابية مسألة تعتريها الضبابية، ويشوبها الكثير من الغموض وصعوبة التفكيك بينهما، ويبدو أن هذا هو السبب الرئيس الذي جعل من النظم السياسية في أوربا الغربية إلى أدراج المهاجرين غير الشرعيين ضمن لائحة الأجندة الأمنية. إذ تجدر الإشارة إلى أن المواقف العامة اتجاه الهجرة غير الشرعية تكون متناقضة وانفعالية في كثير من الأحيان، وهذا ما أشارت إليه الدراسات والأبحاث الأوربية إلى تسجيل ارتفاع في معدلات الجريمة في الدول التي تتميز بتنامي معدلات المهاجرين غير الشرعيين لديها.
مشاركة :