هل نصدق صبحي فحماوي في 'خنجر سليمان'، أم نصدق الجبرتي المُتَلَوِّن؟

  • 6/6/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

  بطريقة دراماتيكية تأخذك رواية "خنجر سليمان" لصبحي فحماوي، الصادرة 2023 عن الدار الأهلية للنشر- بيروت،  للاطلاع على حياة البطل سليمان محمد الأمين الذي ولد في حلب 1781 ودرس هناك في المدرسة العثمانية، وتابعته أمُّهُ أم سليمان الأسدي إلى أن تخرج  1795. وفي الرواية قصة حب والده للجميلة ثريا، لتكون زوجته الثانية، يرسل الوالد ابنه سليمان ليتعلم في الأزهر، فذهبا بقافلة جِمال  تجارية حلبية، مروراً في المسجد الأموي في دمشق، وزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، فيقول الأب لابنه: "إنه معمار عظيم، فهذا هو باب العامود، ويسمى باب دمشق، وهو أهم أبواب المسجد وأجملها، وهذه كنيسة القيامة وحائط البراق.." يَلِجان سوقًا تجاريًا مكتوب على جداره " خان الزيت" فيقول لابنه: "لاحظ أن الزيتون والزيت في دمشق وفي القدس توأمان، وشاهد أسوق العطارين، واللحامين،  والقطنيات، وصاغة الذهب والفضة والمجوهرات، وسوق الحصر والمفروشات. وهذه قبة الصخرة المشرفة. وذهبا للاستحمام في الحمّام العثماني، وذكر له أن مياه المسجد الأقصى من برك سليمان التي أنشأها السلطان سليمان القانوني. وزارا كنيسة القيامة، ومسجد عمر..  بينما وصلت سفن نابليون العسكرية الفرنسية في تموز/يوليو عام 1798 إلى الإسكندرية، ومما قاله نابليون لجيشه: "وحسب قيمنا الفرنسية، كُلُّ أرض تدوسها أقدامنا فهي لنا". وعلَّق الشيخ الأزهري عبد الله الشرقاوي على احتلال مصر بقوله: "لا أستطيع التعبير عن هذه البشاعة، والفرنسيون يجعلون عددًا من المساجد اسطبلات لخيولهم ونراهم وهم يغتصبون النساء الحرائر أمام ذويهن، ويشربون الخمر داخل المساجد" ..ولكن الطالب سليمان الحلبي كان مقهوراً لهذه الوحشية الفرنسية، فسلك سلوكاً مقاوماً...وفي الرواية "مذبحة يافا البشرية.” والتي بناءً عليها فشل نابليون في دخول عكا، وعاد مهزوماً من ساحل الشام كله حتى غزة...وحتى يغطي نابليون على فشله دعا اليهود إلى  إقامة دولة اسرائيل الكبرى في أرض فلسطين كأرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، لينتشر اليهود بعدها في الوطن العربي كله، ويكون وطن اليهود.. وخلال زيارته إلى غزة  يُدربه علي الصباغ  قائد المقاومة الغزاوية ستة أشهر ويعلمه  كيفية قتل قائدهم الأكبر كليبر ويقول له: "سنهديه لك هدية لتعود إلى القاهرة  بخنجر، سيسميه القوم لاحقًا (خنجر سليمان) فهذا الوباء الفرنسي الذي أصاب مصر، هو نفسه الذي يصيب الشام كلها.." وبعد ستة أشهر من المتابعة والملاحقة استطاع سليمان الحلبي أن يصل إلى قلب" كليبر" بخنجره الغزاوي فيقتله، وبمحاكمة صورية تقرر إعدامه بإدخال خازوق كبير في مؤخرته ودفعه حتى يخترق جمجمته. وكان هذا القتل سبباً في هروب الجيش الفرنسي، بينما احتفظت القيم الفرنسية بجمجمة سليمان الحلبي في متحف الإنسان في باريس. قال الجبرتي، فصدقناه، فهل الحق في ما قاله الجبرتي؟ سؤال يطرحه الروائي صبحي فحماوي في مستهل روايته التي هي اقرب لفن الرواية التاريخية.. وتصحيحاً لما علق بحقبة زمنية معقدة من تدليس صحفي اعلامي جبرتي تماما كما يحدث في أيامنا هذه، والمقصود بتلك الحقبة التي تتحدث عنها الرواية هو زمن الحملة الفرنسية بقياده نابليون بونابرت على مصر وما تلاها من فظائع وتدمير، وقتل وترويع لأهالي القاهرة، ثم مرور الحملة الإجرامية بغزة ، ومن ثم يافا التي فعلوا باهلها الاعاجيب، وكان يمكن ان تستمر اكثر لولا أن عكا وقفت في وجه بونابرت، وردته خائبا، ليعين بعده نائبه الجنرال كليبر لقياده الجيش في مصر و يعود ادراجه الى بلاده . يقول الجبرتي في كتابه "عجائب الاثار في التراجم و الاخبار" عن سليمان الحلبي أنه شاب "أفاقي أهوج" بينما الحقيقة أن هذا الشاب سليمان بن محمد الحلبي هو ابن عائله كريمة، فوالده تاجر، يذهب بقوافل زيت الزيتون و الصابون الحلبي من حلب الى غزة في فلسطين، ليشتريه التجار ثم تنتشر بضاعته في مصر والجزيرة العربية، واقاليمها، فدفع التاجر ابنه سليمان الى القاهرة ليتعلم علوم الدنيا و الدين في الازهر الشريف، فيصل سليمان الى القاهرة قبل شهر واحد من وصول الحملة الفرنسية . وهذه الحملة المجرمة وصفها الجبرتي في كتابه المُلفّق بانها جاءت لنشر الحضارة والديمقراطية في بلاد الشرق، لكنه - الجبرتي - يعود الى شتم الفرنسين في كتابه الآخر "مظهر التقديس بزوال دوله الفرنسيس" وذلك بعد هروب الحملة المجرمة من القاهرة، إثر مقتل القائد الفرنسي بخنجر سليمان، إذ يصف صبحي فحماوي عجائب الفرنسيس في احياء القاهرة من قتل و تعذيب وكأنك تقرأ جبرتي حديث بذل نفسه من اجل حقيقه مضى عليها اكثر من مئتي عام، فالقتل الفرنسي الجبان الممنهج كان هو الحدث اليومي خلال تلك الحملة الجائرة . وقد أشعل الغضب المصري ثورة، ثم اخرى حاول الفرنسيون اخمادها بالسياط والنار، لكن غضب الفتى السوري سليمان الحلبي لم يهدأ حتى غرس خنجره الطويل المصنوع في غزة، غرسه في قلب الجنرال المجرم  كليبر، ولم يبالِ بالحكم بإعدامه، بعد تعذيبه بمشاهدة رفاقه يعدمون واحدا تلو الآخر اولا، ثم بإحراق يده حتى يذوب الشحم، و يقطر منها اللحم و والعظم، ثم رفعه على الخازوق الذي خرج من رأسه حياً وهو يتلوى ألماً حتى الموت. ولا ينتهي العقاب، إذ يترك الجيش المهزوم الطيور والوحوش تنهش لحمه، إلى أن يغدو البطل هيكلا عظميا لا تُعرف هويه صاحبه.. الا ان هؤلاء الأوغاد الذين فعلوا الافاعيل يميزونه، فترسل جمجمة سليمان الحلبي، وخنجر سليمان الى فرنسا لتعرض على الجمهور في متحف الإنسان في باريس الحضارة، تحت اسم "جمجمة مجرم" ، بينما تعرض جمجمة المجرم كليبر حسب القيم الفرنسية، تحت اسم "جمجمة بطل" وما تزال معروضه بذات الصفة حتى اليوم!! فأية حضارة هذه التي أتى بها الفرنسيون الى مصر؟ والروائي صبحي فحماوي - صاحب حساب أخبار الرواية- يعود في هذه الرواية بالقارئ الى قصه نعرفها دون تفاصيل، فياتي لنا بالتفاصيل التي قرأها وبحث حولها، ولا اعلم ان كانت قصه والدة سليمان وضرتها التي اخذت حيزا  اجتماعياً من الرواية دون ان تضيف شيئا، والتي هي بالتأكيد ليست من أوراق الجبرتي، فهل هي من الخيال الروائي للسارد، الذي أراد اضافه البعد الانساني والاجتماعي  في حلب، على الشاب سليمان، قبل ان يرافقه في رحلته الى القاهرة مرورا بغزه ، لكن السارد أبحر في وصف وحشيه الفرنسين، و هم يستحلون حرمه البيوت، و قدسيه المساجد حتى تحسب انك تقرأ اوراق غزة التي تحاكي اليوم بالأمس. وبعد قراءه رواية "خنجر سليمان"، والذي ما تزال جمجمته معروضة للجماهير والسياح في متحف الإنسان فرنسي، ما لي إلا ان أقول عن زيف ذلك التاريخ :"اذا قال صبحي فحماوي ذلك، فصدقوه".

مشاركة :