خلال هذا العام قامت بريطانيا بخطوتين لافتتين للنظر في خضم التحوّلات السياسية الدولية في الخليج العربي والمنطقة، ففور إمضاء الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وإيران في يونيو الماضي، قامت بريطانيا بعد ذلك بشهرين (أي في أغسطس) بإعادة فتح سفارتها في طهران التي أغلقتها عام 2011م إبّان اقتحام مجموعة من المحتجين الإيرانيين السفارة البريطانية ونهبها وتخريبها وتمزيق صور ملوك بريطانيا قبل أن يتركوا عبارة "الموت لانجلترا" على جدران غرفة الاستقبال الكبرى. وفي مراسم إعادة افتتاح السفارة قال فيليب هاموند وزير الخارجية: "اليوم بمثابة نهاية مرحلة في العلاقة بين البلدين وبدء مرحلة جديدة.. مرحلة أعتقد أنها تبشر بالأفضل". وفي هذا العام أيضاً بدأت بريطانيا فعلياً إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في البحرين تقول بأن هذه الخطوة ستمكّن بريطانيا من العمل مع حلفائها لتعزيز الاستقرار في الخليج وما وراءه، وأن أمن الخليج هو أمنها. في الجهة المقابلة كانت المخابرات الألمانية انتقدت الدور السعودي في المنطقة، إلا أن الحكومة الألمانية رفضت تلك التقارير وقالت: "إنها لا تعكس موقف الحكومة في برلين التي تنظر إلى السعودية على أنها حليف مهم في منطقة تهزها الأزمات". تلك المواقف المتناقضة أوروبياً تدفع باتجاه ازدهار التأويلات بين دول الخليج بشكل عام والدول الأوروبية، كون السياسات المتخذة تتناقض مع بعضها، فلا يمكن فهم سياسات بريطانيا مثلاً التي وصف وزير خارجيتها فيليب هاموند في يوليو الماضي إيران بأنها مارقة وتدعم الإرهاب، ثم يذهب في الشهر التالي ليفتتح السفارة هناك ويقول إن المرحلة المقبلة تبشّر بالأفضل، ثم ينتقل بعد ذلك إلى البحرين ليفتتح قاعدة عسكرية هناك من أجل تعزيز الاستقرار - على حد قوله. والأمر ينطبق على ألمانيا وتقرير مخابراتها الذي ربما يتجاهل عامل اللااستقرار في المنطقة وهي إيران التي يعيش 200 ألف من مواطنيها في ألمانيا بعد أن هربوا من بطش النظام الإيراني. صحيح أن "عاصفة الحزم" تربك المشهد الاستخباراتي الذي لم يتنبأ بقيام تحالف عسكري عربي تقوده المملكة من أجل استعادة الشرعية اليمنية ودرء الخطر الإقليمي للانقلاب المدعوم من إيران، لكن تلك الأحداث يجب أن تكون بمثابة المرشد للاستخبارات الألمانية أو غيرها في الدول الأوروبية للبحث وراء مسببات قيام المملكة بهذه الخطوة التي كانت آخر حلولها.. فالمملكة دولة مسالمة وغير اندفاعية؛ بل تدفع بالحلول السياسية وتراهن عليها بعيداً عن أي حلول عسكرية، وإلا لما حدث هذا التفاجؤ الغربي من عاصفة الحزم.
مشاركة :