سؤالان يمكن من خلالهما الوصول إلى فهم الطريقة التي يفكر بها الرئيس أوباما تجاه الشرق الأوسط؛ لماذا طلب الرئيس الأميركي الإذن من الكونغرس للقيام بضربة عسكرية على سورية؟ ولماذا طلب من الكونغرس عدم فرض عقوبات جديدة على إيران؟ في الحقيقة أن الكونغرس لم يقدم في الحالتين أي شيء لأوباما. أراد الأخير في سورية الهروب من اتخاذ القرار بشأن الحرب، لكن الكرملين قدم لأوباما ما يريد فسلمه الترسانة الكيماوية، وفي إيران خدمت ظروف وصول روحاني للرئاسة، الرئيس الأميركي، وأنقذته من التزام الخيار العسكري لإيقاف البرنامج النووي، وفي الأمرين نحن أمام مصلحة أميركية خالصة. إن الالتزام الذي تدعيه إدارة الرئيس أوباما تجاه المنطقة أمام محك تساؤلات ضخمة؛ فتردد البيت الأبيض يزيد من ارتباك الحالة التي يعيشها حلفاء واشنطن في المنطقة. وإن كانت الرياض قد عقدت العزم على المضي في مهمتها تجاه دعم الشعب السوري، فإن ذلك من شأنه مضاعفة الضغط على الولايات المتحدة التي تظن أن بإدارتها للوضع الإقليمي بهذه الطريقة ستجعل الدول الفاعلة إقليمياً عاجزة عن اتخاذ ما فيه مصلحة المنطقة، متناسية أن أي تبعات سلبية على أي قرار سيتخذ إقليمياً سيلقي بظلاله بشكل كبير على الوضع دولياً، وما إفرازات الحرب في سورية من ظهور للجماعات المتطرفة إلا نتاج السياسات «الأوباموية». لا نعرف ماذا يقصد بالالتزام الأميركي في المنطقة إذا كان البيت الأبيض لم يستطع إدارة أزمات الشرق الأوسط بدءاً من الوضع في مصر بين رفض لما حدث وتأييد له فيما بعد وهو يدرك الأهمية المحورية للاستقرار في مصر، ثم عملية السلام التي تراوح مكانها منذ خطبة جامعة القاهرة الشهيرة، وأخيراً الكارثة الإنسانية في سورية. قبل أسبوعين شهدنا تغيراً جذرياً في خطاب البنتاغون تجاه الخليج، ففي البحرين ألقى وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل خطاباً أمام منتدى المنامة قال فيه إن البنتاغون “سوف يحسن من طرق تعاونه مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لتعزيز قدرات الدفاع الصاروخية فى المنطقة». وقبل عام ونصف تحدثت هيلاري كلينتون عن ذات الموضوع قائلة إن «بناء الدرع الصاروخي سيشمل نشر رادارات من أجل زيادة نطاق التغطية للإنذار المبكر في منطقة الخليج، وكذلك إدخال أنظمة سيطرة واتصالات تمكن من تبادل المعلومات مع الصواريخ الاعتراضية التي تطلق من كل بلد على حدة». ماذا يمكن أن نفهم من هذه التحولات، إذا كانت واشنطن اليوم قد فتحت نوافذها أمام رياح طهران وأغلقتها أمام حلفائها فما الغرض من تسويق أنظمتها الدفاعية على دول الخليج. إذا كانت واشنطن سوف تلتزم الدبلوماسية في الخليج وهو أمر مرحب به، ففي أي إطار نستطيع فهم تعليقات كلينتون وهاغل، إن رغبة الولايات المتحدة بيع دول الخليج أنظمة صواريخ دفاعية «دفعة واحدة» وليس كما جرت العادة بأن يكون البيع على دفعات، أمر يعكس قلق واشنطن، التي تريد من هذه الخطوة إطالة أمد التزام دول الخليج معها في المجال الدفاعي، وثني دول التعاون عن البحث عن حليف عسكري آخر. وفي النهاية تأتي المصلحة الأميركية أولاً. الالتزام الأميركي في المنطقة لا يعني بالضرورة خيار الحرب، إن أكبر المتضررين من فوضى العمليات العسكرية هي دول الخليج التي عانت كثيراً من مخلفات حروب الخليج وحققت منجزات لا تريد خسارتها على مستواها الوطني، على النقيض فإن واشنطن يجب أن نعرف أن خوض الحروب وراء البحار جزء من إستراتيجيتها. لعل ما ترغب به دول المنطقة من واشنطن أن تمارس الأخيرة دبلوماسيتها المرنة وحضورها كقطب دولي، من أجل مصالح الدول التي تخشى أن تنزلق في أتون فوضى لا تنتهي.
مشاركة :