خطاب التوحش - أميمة الخميس

  • 12/7/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الصورة الذهنية التي يتداولها العالم الآن عن الإسلام وأهله معتمة ودموية، تبدو فيها المنطقة كأنها مثوى لجماعات بدائية متوحشة منقطعة عبر القرون عن العالم ألفت النحر والقتل كجزء من طقوسها التعبدية، وهنا لا أود أن أتورط بالمنزلق الذي يستسهله البعض بنبش تاريخ الآخر والانخراط في حالة تنابز أبدية لن تفضي إلى نهاية، بل ستقذف المزيد من النفايات والغثاء إلى البرزخ الذي يفصلنا عن ذلك الآخر. ولكن أيضاً من حقنا شعوباً وأفراداً متضررة هنا أن نقوم بمراجعة وعملية جرد كبرى للمدونة التاريخية التي يجعلها منها العالم المسؤول الأول عمّا يدور حولنا من كوارث، عملية مراجعة تحاول أن تقف على مسافة متساوية من جميع الحوادث التاريخية التي صنعت الهياكل الفكرية والتشريعية لأمة كاملة. على سبيل المثال في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة يورد ما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه عن دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم، مستشهداً بحديث محمد بن الحسن (قد روى أهل المدينة أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بكافر وقال أنا أحق من أوفى بذمته) وإبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبدالرحمن بن البيلماني أن (رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أحق من أوفى بذمته، ثم أمر به فقتل) وعن عبدالله بن مسعود قال (من كان له عهد أو ذمة فديته دية المسلم) أما حياة الذمي فإنها عند أبي حنيفة تكافئ حياة المسلم. وهنا لا أزعم بأن جميع فقه أهل الذمة باختلاف مذاهبه كان مثالياً وإيجابياً ومتسامحاً ومتعايشاً مع الآخر، ولكن أيضا لا نستطيع أن ننكر إرهاصات أولى لتأسيس أرضية إنسانية من التعايش والتسامح وتساوي حقوق المواطنة، بين الجميع في المجتمع الإسلامي، ولعل فجرها الأول شع في القرآن الكريم (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). ويحق لنا كمسلمين أن نتساءل من له المصلحة في تغييب القاعدة الشرعية (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وآية (لكم دينكم ولي دين) ولماذا لم يستدنِ الخطاب الفقهي المعاصر هذه الآيات إلى الواجهة في زمن العولمة وحوار الحضارات؟ القرآن حمّال أوجه كما قال علي كرم الله وجهه، فلماذا يجعلون البوابة الوحيدة لعلاقتنا مع الآخر آية الولاء والبراء، ويغفلون عشرات الآيات ذات الدلالات والمعاني الإنسانية العظيمة. فحتى الآن الكثير من الهيئات الدينية المعتبرة لم تكفر هذا الكيان الغريب المسمى (بداعش) وقبله (القاعدة)..؟ ولم تقم بمسؤوليتها الكاملة في تفكيك هذا الخطاب واستدناء إلى الواجهة خطاب التسامح والتعايش!! والتساؤل بحرقة الآن من غيّب عن مدونتنا الفقهية المعاصرة نصوصاً كانت تؤسس للتسامح والتعايش، واستبدلها بفكر الولاء والبراء؟ من طمس البعد الإنساني الذي كانت إرهاصاته الأولى قبل قرون ليستبدله بتفسيرات دموية تطرب لها الغوغاء والعامة؟ ولكنها في نفس الوقت تطفئ قناديل حضارة عمرها مئات السنين؟ المسؤول عن هذا كله هي... ثقافة الاستبداد والطغيان، قمع الحريات، التسلط، وصولة المتغلب تركت غاية إعمار الأرض لتصنع أصناماً وطواغيت... وحجبت عن حاضرنا أنوار الإنسانية. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :