باستطاعتنا أن نملأ مجلدات من الممارسات العنصرية التي ارتكبها الإنسان الأبيض ضد السكان الأصليين, لاسيما تلك التي تزامنت مع الكشوفات الجغرافية , التي اندفعت تطوف العالم يرافقها فكر المركزية الأوروبية, التي ترى في نفسها كمالاً وتفوقاً حضارياً يميزها, بينما تنحدر شعوب الأرض إلى هوامش تلك المركزية كمجموعة من البرابرة. ورغم المحتوى الإنساني للفلسفة التي قامت عليها فلسفة النهضة والتنوير الأوروبي آنذاك, لكنها لم تستطع أن تكبح جماح الشوفينية العنصرية, التي تكون داخل الشعوب ضد الآخر أو ضد المكون الهش داخل تلك المجتمعات (نساء –أطفال- ملونون…إلخ), وتطلب الأمر الكثير من المقاومة والنضالات لضبط جموح ذلك الوعي , كان أثمانها حروب ودماء وإزهاق ملايين الأرواح , كالحرب الأهلية في الولايات المتحدة, لتحرير السود, أو الحرب العالمية الثانية التي قدح شرارها فكر نازي شوفيني يؤمن بتفوق فطري للعرق. وكان الحل عادة يخرج من داخل تلك المجتمعات أنفسها, عبر ممارسة ديمقراطية تتيح أسقفا عالية للنقد والمراجعة,ومن ثم سن القوانين الضابطة والرادعة في نفس الوقت, وأيضا عبر مؤسسات المجتمع المدني النشطة التي استطاعت أن تصنع وعيا عاما يحتقر العنصرية لانعكاساتها السلبية على أمن تلك المجتمعات واستقرارها. وفي الولايات المتحدة, وبعد نضالات كبرى أيقن الشعب الأميركي أن العدالة والمساواة هي جزء من أمنهم القومي, وأي اختلال أو عبث بهذا الموازنة الحساسة داخل المجتمع من شأنها أن تعرض استقرارهم الداخلي للانهيار, لذا أصبحت القوانين هي التي تنظم العالم الأميركي الذي يقوم على خلطة مزدحمة من الشعوب والأعراق. لذا تظل المرجعية القانونية هي التي من الممكن أن تضبط المكون العنصري الشوفيني داخل الشعوب والمجتمعات, إضافة إلى الممارسة المدنية التي تقوم على مفهوم المواطنة , كأداة أولى في تحقيق العدالة الاجتماعية, وهم يطبقونه بجدية وصرامة, حتى بات سؤال شخص عن دينه فعلاً جنائياً بحسب القانون. العدالة الاجتماعية وطيب العيش هي التوق البشري القديم , الذي سعت إليه البشرية منذ الأزل, وإلى الآن تبدو قاصرة عن تطبيقه بشكلها الشمولي العالمي, ولكن على الأقل القوانين أداة تمثل ضبطا وردعا لهذه الممارسة حتى لاتصبح سمة وممارسة اجتماعية يومية تلقائية, متفلتة عن السيطرة. بداخل الشعوب يوجد عادة ينابيع تغذي فيها النزعة الشوفينية والعنصرية, كنوع من المقاومة ضد التلاشي والذوبان والاندثار في الآخر, ولكن تلك النزعة إذا تصدرت قائمة القيم لدى ذلك الشعب, وأصبحت على رأس فضائله (كالشعب اليهودي) مثالاً, فعندها يخرج ذلك الشعب من قائمة التاريخ والحضارة المدنية الحديثة ودولة المواطنة, إلى شعب جاهلي تنتمي قيمة إلى الطور البدائي الهمجي من أطوار البشرية. ————————————————————– اميمة الخميس الرياض
مشاركة :