ينطلق البرنامج التسجيلي الأميركي «الناس البيض» من السؤال الآتي: «ماذا يعني أن يكون المرء شاباً وأبيض في الولايات المتحدة اليوم...؟». يأخذ مُقدم البرنامج الصحافي جوس أنطونيو فارغاس، هذا السؤال ويدور به على مدن صغيرة وكبيرة في الولايات المتحدة، متقصداً الشباب بالدرجة الأساس، مُحاولاً أن يدخل بجرأة وبلا تحفظات كبيرة هذا الموضوع الشائك في أميركا، على أمل بأن يصل الى إجابات عن العلاقات الحرجة والمسكوت عنها بين الأثنيات هناك، والتي يُبين البرنامج، أن كثيرين لا يفضلون الخوض في أوحالها، بخاصة الأميركيين البيض، الذين ينوء بعضهم بالتركة الثقيلة لأسلافهم. يتجنب البرنامج الذي يُعرض على النسخة الأوروبية لقناة «أم تي في» الأميركية، في حلقاته الأولى المدن الأميركية الكبيرة، ويتجه في المقابل الى المدن الصغيرة، التي يهمين على بعضها العرق الواحد. ومن هناك يحاول أن يجس عصب الأثنيات الحساس، فيقابل شباناً وشابات، يعترف بعضهم بأنه لا يملك صديقاً واحداً من خلفيات ليست اوروبية، بل إن هناك من كشف وبصدق كبير، أنه أحياناً، وإذا صادفه شخص أسود في الشارع، ينتقل تلقائياً الى الرصيف المقابل، من دون أن يكون هؤلاء مروا بتجارب سيئة سابقة مع أميركيين مثلهم، لا يختلفون عنهم الا بلون الجلد. بعد السؤال الافتتاحي للبرنامج، يطرح المقدم مجموعة كبيرة من الأسئلة المتشابكة عن العرق والإثنيات، مركزاً على الأميركيين البيض، كعرق كتب تاريخ أميركا بالدماء، ولا يزال يتحكم بالسلطات السياسية والدينية والاقتصادية. هذا على رغم أن الإحصاءات المتوافرة اليوم تشير الى أن البيض لن يكونوا الإثنية المهيمنة عدداً في الولايات المتحدة بعد حوالى ثلاثين عاماً، بل إن الطلاب البيض في الجامعات الأميركية حالياً، هم أقل عدداً من زملائهم من الإثنيات الأخرى. في واحدة من جولات البرنامج، يصل الى مدينة صغيرة يسكنها أميركيون من اصول هندية حمراء، مع نسبة قليلة من البيض الذين يعمل معظمهم في قطاع التعليم. تتجسد في تلك المدينة كل أشباح الماضي الأميركي الداميّ، فالمهاجرون البيض كادوا يقضون على أجداد سكان المدينة في زمن تأسيس الولايات المتحدة. والتاريخ لا يزال حاضراً عبر قصص الأهل، فيما اعترف المعلمون البيض الطيبون في المدرسة الإبتدائية، بأن عليهم ان يحملوا ويتقبّلوا أوزار أجدادهم وبأنهم يتفهّمون غضب الطلاب عليهم أحياناً. تتعرض الحلقة الثانية من البرنامج الى قضية التفرقة العنصرية التي يعاينها البيض أنفسهم. فيبحث فارغاس عن تجارب شباب بيض تعرضوا لتفرقة عنصرية بسبب لون جلدهم. لكن التحقيق الذي يقوم به عن عنصرية تجاه الطلاب البيض الذين يرغبون في دخول الجامعات، أثبت أن البيض مازالوا يتصدرون الإثنيات الأخرى، في أعداد الطلاب الذين يحصلون على منح من الجامعات لمواصلة تعليمهم. يغلب أسلوب قناة «أم تي في»، بانتقالاته السريعة، على البرنامج الذي ينتقل من عرض تجارب خاصة، الى زيارات لمدن أميركــية نائية، منظماً بين الحين والآخر لقاءات بين شباب، وافق بعضهم على مضض على الحديث عن القضية الحرجة التي يفضل كثيرون تجنبها. تطلق النقاشات الجماعية النقاش وتأخذه الى مديات جيدة من المكاشفة، على رغم أن معظم المتحدثين حافظ على كياسة اجتماعية واضحة. يأتي البرنامج كجزء من اتجاه قناة «أم تي في»، الى تقديم برامج تسجيلية ومن فئة برامج تلفزيون الواقع الى جمهورها الشاب، فالقناة التي غيّرت جلدها في الأعوام الأخيرة، بعد الانتكاسة التي حدثت في سوق الموسيقى في العالم الغربي في العقد الماضي، تحاول أن تحافظ على اسمها الشعبي عند الشباب في الولايات المتحدة وأوروبا، بتقديم برامج قريبة من همومهم، وانتقاء الأشخاص المناسبين ليعدوا هذه البرامج ويقدمونها، كالصحافي فارغاس، الفائر بجائزة «بوليتزر» المرموقة للصحافة، والذي قدّم هذا البرنامج بمهنية عالية تخللتها لحظات حميمية، عندما كشف عن تفاصيل من حياته الخاصة، كمهاجر من إصول فيليبينية، وتجاربه الشخصية تجاه القضايا التي مرّت في البرنامج.
مشاركة :