حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني المتطرف الذي حقق نتائج تاريخية في الدور الأول من الانتخابات الجهوية الأحد الماضي ليس جديدا على المشهد السياسي الفرنسي بل هو جزء كامل العضوية فيه ويعبِّر عن قناعات ونزعات نسبة هامة من الناخبين الفرنسيين. حزب الجبهة الوطنية معروف بمعاداته للمسلمين، وللجزائريين بشكل خاص بسبب الثورة الجزائرية من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسي، وبمناهضته لليهود وبعنصريته تجاه المهاجرين في فرنسا، وأيضا بنزعته القومية المغالية بالنظر إلى البقية من الحساسيات السياسية والأيديولوجية الناشطة على التراب الفرنسي. هذه هي صورة الحزب منذ تأسيسه على يد المظلي السابق في القوات الفرنسية جان ماري لوبين الذي شارك في حرب الهند الصينية في صفوف قوات بلاده ثم في الحرب ضد الجزائريين في جزائر خمسينيات القرن 20م وقال دون مواربة عند استقلال البلاد عام 1962م: ليس لديَّ ما أخفيه، لقد مارسنا التعذيب، لأنه كان ضروريا. وقد مارسه هو ذاته، ويتردد منذ استقلال الجزائر أن فقدانَه إحدى عينيْه تم خلال الحرب الفرنسية في الجزائر من 1954م إلى 1962م. جان ماري لوبين البالغ من العمر سبعة وثمانين عاما ينحدر من منطقة لابروتانْيْ في شمال فرنسا من أب امتهن الصيد البحري. بعد حربيْ الهند الصينية والجزائر، استقر في بلاده حيث أسس عام 1972م حزب الجبهة الوطنية الذي استقطب نسبةً هامة من قدماء الأوروبيين المتطرفين المناهضين بشدة لاستقلال الجزائر، سواء أكانوا من الجنود أو من المدنيين، لا سيما مَن كانوا يُعرَفون بـ: المتطرفون (Les Ultras) وانخرطوا في المنظمة الإرهابية المعروفة بـ: المنظمة المسلحة السرية (OAS). اقتحم جان ماري لوبين انتخابات العام 1974م الرئاسية وحصل على 0.75 بالمائة من الأصوات، وبقي مثابرا رغم النسب الهزيلة التي كان يحصدها في كل استحقاق انتخابي إلى غاية الانتخابات الرئاسية للعام 2002م حيث وصل إلى الدور الثاني في مواجهة جاك شيراك الذي فاز عليه بفضل تحالف يساري يميني لإبعاد خطر الجبهة الوطنية حسب التعابير الرائجة في الإعلام ولدى الطبقة السياسية آنذاك قبل أن يميل اليمين واليسار معًا بخطوات معتبَرة متفاوتة خلال الأعوام التالية باتجاه اليمين حتى التبست على الناخبين والملاحظين الألوان السياسية والأيديولوجية لكلٍّ من الأحزاب السياسية الكبرى في فرنسا. في يوم 20 أغسطس 2015م، تم إبعاد جان ماري لوبين المؤسس للجبهة الوطنية من حزبه من طرف ابنته التي أدخلها تشكيلته السياسية منذ أعوام طويلة وارتقت في سُلَّم الحزب تدريجيا إلى أن أصبحت زعيمته الأولى وعملتْ على تلميع صورة الحزب وتقديمه في صورة أقل تطرفا للفرنسيين. انتخابات الأحد الجهوية أدخلتْ الحزب بقيادة مارين لوبين ذات السبعة والأربعين عاما من العُمر مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخه بتقدمها في 6 أقاليم من أصل 13 على بقية الأحزاب المشاركة في هذا الدور الأول من التصويت. ومهما كانت نتيجة الدور الثاني فإنها كسرتْ حاجزا نفسيا في فرنسا يجعل حزب مارين لوبين قوة سياسية رئيسية تقدم بها خطوةً طويلة باتجاه قصر الإليزيه لتشارك في الانتخابات الرئاسية عام 2017م بحظوظ في الفوز أقوى من أيِّ وقتٍ مضى. الوالد جان ماري لوبين في غاية الفرحة بما تحقق في حزبه بعد ثلاثة وأربعين عاما من النشاط السياسي الذي لم يكن دائما سهلا.
مشاركة :