لوّح رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الثلاثاء بالانسحاب من العملية السياسية بسبب "تحكم مسلحين خارجين عن القانون وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة"، وذلك في تصعيد جديد على الساحة العراقية مع عودة رموز سنية منافسة إلى المشهد السياسي. ويأتي موقف الحلبوسي بالتزامن مع تصاعد الحديث في بغداد والأنبار عن دعم جماعات سياسية ومسلحة حليفة لإيران، عودة عدد من الشخصيات السياسية العربية السنية إلى محافظة الأنبار، وإسقاط التهم عنها، وتوفير الحماية لها، بهدف مناكفة تحالف "السيادة"، الذي يتكون من كتلتي "تقدم" بزعامة الحلبوسي، و"عزم" بزعامة خميس الخنجر، ردا على قرارهما التحالف مع "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، في أزمة تشكيل الحكومة الجديدة. كما يأتي هذا الموقف وسط أزمة سياسية خانقة يعيشها العراق، نتيجة فشل القوى السياسية الفائزة بالانتخابات البرلمانية، التي أجريت في أكتوبرالماضي، في اتفاق على ختيار رئيس جديد للبلاد وتشكيل الحكومة الجديدة. وقال الحلبوسي في تغريدة نشرها عبر حسابه على تويتر، إن "العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الاستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب تحت أي سبب كان، على أنه مناورة أو ضغط سياسي". وأضاف "سنتخذ مواقف جدية وحدية (حادة) بمجمل المشاركة في العملية السياسية، نظرا لتحكم المسلحين الخارجين عن القانون (دون تسمية أحد)، وعبثهم بأمن البلاد والعباد، ومحاولاتهم المستمرة لتغييب الدولة وإضعاف القانون والعبث بالنسيج الاجتماعي". وشدد رئيس البرلمان على أنه "لا يمكن أن تُبنى دولة من دون العدل والعدالة، ولا يُحترم فيها حق المواطن في العيش الكريم". ولفت الحلبوسي إلى أنه "سيحاسب عاجلا أم آجلا كل من أجرم بحق الشعب ونهب ثرواته وغيّب رجاله، وقتل وأعاق شبابه وهم يطالبون بحقوقهم، وآخرين هجرهم من ديارهم، وأودع أبرياء بدلا من مجرمين تم تهريبهم من السجون في وضح النهار". وكان القيادي في تحالف "السيادة" مشعان الجبوري قد علّق في وقت سابق على عودة القيادات المبعدة من العراق أخيرا بالقول إنها "خطوة من خصوم تحالف السيادة، تهدف إلى إثارة المشاكل في الأنبار"، مضيفا في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عراقية أنه يعتقد "أنهم لن ينجحوا" في إثارة المشاكل لـ"حكمة الفرقاء وتعقلهم". وتثير عودة أمير قبائل الدليم في العراق علي حاتم السليمان إلى البلاد، جدلا كبيرا في البيت السني أولا، والعملية السياسية في البلاد ثانيا، لاسيما أن الجهات السياسية باتت تتبادل الاتهامات بشأن من يقف لصالح هذه العودة، ومدى تأثير ذلك على الوضع السياسي في البيت السني، الذي شهد في السنوات الأخيرة استقرارا سياسيا وأمنيا واجتماعيا، مشفوعا ببحبوحة اقتصادية ظهرت واضحة للعيان على كبرى المحافظات السنية، المتمثلة بالأنبار، معقل رئيس مجلس النواب الحلبوسي. وعاد السليمان إلى محافظة الأنبار الاثنين، بعد نحو ثماني سنوات من ابتعاده عن المشهد، حيث تم إسقاط التهم الموجهة ضده، واستعادة مقره في بغداد، وكذلك الأنبار. وغاب السليمان لسنوات طويلة عن العراق على خلفية اتهامات موجهة له تتضمن التحريض على الدولة العراقية ودعم تنظيم داعش، من خلال الشعارات التي رُفعت في العام 2014، أثناء ما عُرف بـ"ساحات الاعتصام" في المحافظات السنية. ويرى مراقبون أن عودة بعض الرموز العشائرية على غرار السليمان والسياسي والوزير السابق رافع العيساوي إلى المشهد في هذا التوقيت بالذات لا تبدو بريئة، وأن الإطار التنسيقي يريد القول بأن في جرابه الكثير من الأوراق التي بإمكانه استثمارها، وأنه إن فشل في تحقيق التسوية بشكل توافقي، فإنه لن يسمح لغريمه الصدر بتحقيق أهدافه. وقال الباحث في الشأن السياسي مجاهد الطائي، عبر حسابه على تويتر، "قوى الإطار التنسيقي كانت تحذر من الانقسام الشيعي من أن يتحول إلى صراع شيعي، لكنها رسخت للانقسام الكردي عبر إيجاد تفاهمات مع الوطني الكردستاني ضد الديمقراطي الكردستاني. كما بدأت بإعادة بعض الشخصيات التي اتهمتها بالإرهاب والنزاهة من أجل إيجاد حالة انقسام سني". والحلبوسي يعتبر أصغر رئيس برلمان عراقي على الإطلاق، وأول من يعاد انتخابه رئيسا للمجلس النيابي للمرة الثانية، وأصغر سياسي عراقي استطاع في غضون سنوات قليلة الدخول إلى عالم السياسة وحجز مكانة بارزة بالمشهد السياسي. ويتزعم الحلبوسي تحالف "تقدم" (37 مقعدا) الذي حل ثانيا بالانتخابات البرلمانية بعد الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، ورغم أنه لم يكن معروفا حتى عام 2013، لكنه استطاع خطف الأنظار والظفر برئاسة البرلمان للمرة الثانية، في ظل تعقيدات سياسية أعقبت الانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي. ومع الانتخابات التشريعية الأخيرة، استطاع الحلبوسي من خلال "تقدم" الذي يتزعمه حصد ثاني أعلى المقاعد النيابية بعد التيار الصدري بحصوله على 37 مقعدا، وبتحالفه واتفاقه مع القوائم المتصدرة وتحالف "عزم" السني بزعامة خميس الخنجر، استطاع الظفر برئاسة البرلمان للولاية الثانية بحصوله على 200 صوت مقابل 14 صوتا فقط لمنافسه محمود المشهداني.
مشاركة :