فشلت محاولات سابقة لتوحيد المعارضة السورية، وعلى الأخص المعارضة المسلحة لأسباب عدة من أهمها الخصومات المحلية، لكن تطورات المشهد السياسي والعسكري في سوريا واتساع دائرة الصراع واستفحال أزمة المهاجرين مؤخرًا، وترافق ذلك كله مع تصاعد موجة الإرهاب الداعشي، كل ذلك شكَّل ضرورة عاجلة للبحث في توخي آلية عملية وعاجلة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة بعد اتخاذها هذا البعد الخطير خاصة بعد إسقاط تركيا لطائرة سوخوي- 24 . هذه التطورات بتداعياتها الخطيرة، خاصة فيما يتعلق ببعدها الإرهابي الذي وصل في الأيام القليلة الماضية إلى باريس وكاليفورنيا، شكَّل الدافع الرئيس للمملكة للدعوة إلى عقد مؤتمر الرياض الذي يبدأ فعالياته اليوم بحضور أكثر من 110 ممثلين عن جماعات المعارضة السورية المعتدلة شاملًا ذلك العديد من الكيانات المعارضة، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي المحسوبة على النظام، ومؤتمر القاهرة، إضافة إلى تيار الدولة المعارض برئاسة لؤي حسين. كذلك سينضم نحو 16 ممثلًا لفصائل عسكرية معتدلة. وذلك لتوحيد صفوف تلك الجماعات استعدادًا لمؤتمر جنيف المقبل. وتأتي هذه المبادرة السعودية بدعوة الرياض لجماعات المعارضة السورية للتوافق حول أهداف ومواقف موحدة، تأتي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الدعم المتواصل والجهود المستمرة لإنهاء الأزمة السورية منذ اندلاعها في فبراير 2011 ووضع حد لمعاناة وتشرد الشعب السوري تحت وطأة النظام السوري المستبد. وقد وجهت الخارجية السعودية الدعوة إلى تلك الجماعات بالتنسيق والتشاور مع الأطراف الدولية الفاعلة ومع المبعوث الأممي «ستيفان ديمستورا» وأيضًا استجابة لطلب غالبية أعضاء مجموعة فيينا -2. العائق الأكبر لم يعد خافيًا أن تشرذم جماعات المعارضة السورية شكَّل عقبة كبيرة على طريق التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية المندلعة منذ قرابة الخمس سنوات - إلى جانب عقبات أخرى كثيرة يأتي في مقدمتها تقاعس المجتمع الدولي عن النهوض يمسؤولياته إزاء الأزمة خاصة فيما يتعلق بشقها الإنساني، والخلافات الروسية الأمريكية، والبعد الطائفي للصراع، والتدخلات الخارجية- وهو الدافع الرئيس وراء اجتماع الرياض الذي يعقد اليوم بمشاركة أكثر من 110 ممثلين عن جماعات المعارضة السورية المعتدلة داخل سوريا وخارجها بكافة أطيافها العرقية والمذهبية والسياسية بهدف توحيد صفوف تلك المعارضة كي تتحدث بلغة واحدة ورأي موحد في مؤتمر جنيف المزمع عقده منتصف هذا الشهر لتشكيل حكومة انتقالية خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا طبقًا إلى البيان الصادر عن مؤتمر (فينا-2) وأيضًا بيان (جنيف -2) اللذين سيشكلان المرجعية الأساس للاجتماع. لمحة تاريخية سلكت جماعات المعارضة في سوريا دربًا جديدًا عام 2011 عقب الأزمة السورية حيث توحدت لتشكيل الائتلاف الوطني السوري وحظيت بدعم دولي . ثم تشكل في شهر نوفمبر عام 2012 مجموعة معارضة شاملة جديدة تحت اسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية التي اعترف به مجلس التعاون الخليجي كـ»الممثل الشرعي للشعب السوري» وباعتباره «ممثل طموحات الشعب السوري» لدى جامعة الدول العربية. وقد ازداد عدد جماعات المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري داخل سوريا وخارجها، حيث أصبح يقدر عددها الآن بـ40 جماعة تتوزع جغرافيًا بين تركيا والأردن ومصر، إلى جانب جماعات الداخل السوري وأبرزها الجيش السوري الحر، وجيش الإسلام. لا شك أن احتضان الرياض لاجتماع أطياف المعارضة السورية المعتدلة ووضعهم أمام ما تقتضيه المسؤولية التاريخية والوطنية وجهًا لوجه يشكل تحديًا حقيقيًا واختباًرا لا يحتمل إلا النجاح لإنهاء المأساة السورية، حيث لم يعد هنالك خيار آخر أمامهم لإثبات أهليتهم لتحمل هذه المسؤولية من خلال توحيد الكلمة والموقف والإرادة من أجل الحفاظ على سوريا وسلامة ووحدة أرضها وشعبها وعودة الأمن والاستقرار لربوعها.
مشاركة :