النظرة إيجابية المأخوذة عن أداء كيشيدا في الشؤون الخارجية تمنحه فرصة كبيرة للتمسك بموقف قوي تجاه روسيا على الساحة الدولية ومن دون أن تتأثّر شعبيته محلياً، فقد تميل دول أخرى إلى التراجع تزامناً مع ارتفاع تكاليف التضخم، لكن لا يزال اهتمام الرأي العام الياباني بأحداث أوكرانيا يطغى على المخاوف المرتبطة بالاقتصاد في الوقت الراهن. بدأ رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، يتخذ تدابير بارزة رداً على العدوان الروسي في أوروبا، فأعلن كيشيدا بعد التشاور مع قادة العالم أن اليابان ستزيد قروضها إلى أوكرانيا بثلاثة أضعاف، مما يعني أن يبلغ مجموعها 300 مليون دولار، وتكلم كيشيدا من أوروبا في شهر مارس الماضي، فذكر أن الوقت مناسب اليوم لتعزيز التماسك وسط المجتمع الدولي دعماً لأوكرانيا. تنوي حكومة كيشيدا فرض العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا، لكن هل يستطيع رئيس الوزراء الياباني متابعة التركيز على تحديات السياسة الخارجية تزامناً مع الحفاظ على تأييد الناخبين محلياً، لا سيما إذا رفعت تلك التدابير مستوى التضخم وأثّرت على التعافي الاقتصادي في اليابان؟ تثبت أحدث الخطوات التي اتخذتها حكومة كيشيدا أن اليابان تريد إطلاق موقف قوي من العدوان الروسي، بما يتماشى مع مواقف شركاء آخرين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. صادقت الحكومة على إجراءات تمنع الشركات اليابانية من القيام بأي استثمارات جديدة في روسيا، تقضي تدابير أخرى بالتخلي تدريجاً عن واردات الفحم الروسي وحظر استيراد مجموعة سلع من روسيا، وتساوي واردات الفحم الروسي اليوم 13% من الكمية الإجمالية المستعملة لتوليد الطاقة في اليابان، فهذه السياسات قد ترفع مستوى التضخم خلال المرحلة المقبلة، ويشعر الكثيرون حتى الآن بالقلق من زيادة تكاليف الطاقة، وقد اتضحت هذه المشكلة في تقرير مؤشر أسعار المستهلك الصادر عن بنك اليابان. انعكست المخاوف من التضخم على موقف الرأي العام من بعض قادة العالم، لكن تكشف الاستطلاعات في اليابان أن التضخم لم يؤثر على موقف الرأي العام الياباني من رئيس الوزراء حتى هذه المرحلة، ويذكر استطلاع ياباني أجرته صحيفة «أساهي شيمبون» في هذه الشهر أن 88% من اليابانيين يدعمون كيشيدا الذي يعتبر التحركات الروسية في أوكرانيا جرائم حرب، وفي سؤال عن التضخم، ذكر معظم المشاركين في الاستطلاع أنهم لم يعتبروا كيشيدا مسؤولاً مباشراً عن زيادة التكاليف، في الوقت الراهن، تصل نسبة تأييد الحكومة اليابانية إلى 55%، وهي الأعلى منذ أن تسلمت هذه الإدارة الحُكم، ويبدو أن الناخبين اليابانيين مستعدون لتقبّل التكاليف المرتبطة بالعدوان في أوروبا ودعم أي خطوات جديدة لمعاقبة روسيا. لا تستفيد أوساط السياسة الخارجية دوماً من هذا التساهل الذي يبديه الرأي العام الياباني، ولم يحصد رئيس الوزراء السابق، يوشيهيدي سوغا، أي دعم علني حين أطلق مواقف قوية من العدوان الصيني ضد تايوان في عام 2021 لأن الناس كانوا يحملون نظرة سلبية عن حكومته لأسباب أخرى، لا سيما طريقة التعامل مع أزمة كورونا، فقد عارض 64% من الناس مقاربة الحكومة في هذا الملف وفق استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث في عام 2021. تأثّر الناخبون حينها بالتطورات المحلية ولم يعتبروا الالتزامات الدولية جزءاً من أولوياتهم، لكن يبدو أن الوضع تغيّر منذ أن أصبح كيشيدا رئيس الوزراء الياباني. قد يقلق الرأي العام من زيادة التكاليف المترتبة عليه، لكن لا ترتبط هذه المخاوف على ما يبدو بكيشيدا بقدر ما كانت أزمة كورونا مرتبطة بسوغا في عام 2021، وحتى الآن، تحمل اليابان نظرة إيجابية عن أداء كيشيدا في الشؤون الخارجية، مما يمنح رئيس الوزراء الياباني فرصة كبيرة للتمسك بموقف قوي تجاه روسيا على الساحة الدولية ومن دون أن تتأثّر شعبيته محلياً، فقد تميل دول أخرى إلى التراجع تزامناً مع ارتفاع تكاليف التضخم، لكن لا يزال اهتمام الرأي العام الياباني بأحداث أوكرانيا يطغى على المخاوف المرتبطة بالاقتصاد في الوقت الراهن. * كريستوفر إدوارد كارول
مشاركة :