هل ما يجري في المشهد العراقي هذه الأيام فيما يتعلق بتعريف مفهوم (الأغلبية الإنتخابية) يتناسب مع الأنظمة الديمقراطية؟ وهل تعريف قادة الأحزاب للأغلبية الإنتخابية صحيح؟ أم هو ترسيخ للطائفية ؟ وما هو مصير الديمقراطية في العراق مع مفهوم الأغلبية الشيعية؟. أن تكون هناك أغلبية دينية من طائفة محددة أو أغلبية قومية في بلد ما فذلك أمر بديهي وطبيعي ولا إشكال عليه ولا يكاد يخلو بلد منه في العالم بل لعله ميزة للشعوب المتنوعة الأجناس واللغات ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك على طبيعة الإنتخابات في الأنظمة الديمقراطية لأنه بالتأكيد سيؤثر على تشكيل الأحزاب في هذا البلد فتنشأ تبعاً لذلك أحزاب دينية أو طائفية أو قومية إلى جانب الأحزاب الوطنية والعلمانية التي لها إتجاهات مختلفة عن الإتجاهات الدينية أو القومية ،لأن الفكرالوطني يتجاوزها لأن الهوية الوطنية في كل أمة هي التي تجمع كل الاديان والطوائف والقوميات والثقافات تحت مظلتها وتعمل على المساوات بين جميع أفراد الشعب بلا أي تمييز على اساس ديني أو عرقي او جنسي أو ثقافي ومن خلال تفعيل الخصائص والسمات التي يتميز بها شعب ما ومن أهم مهماتها تجميع الأمة على أهداف مشتركة وتقديم ما يعزز وجودها وإستقرارها وقوتها من خلال الموقع الجغرافي الواحد والتاريخ المشترك والمصالح الإقتصادية الواحدة والشعارات الواحدة والعلم الواحد والحقوق الموحدة والواجبات المشتركة ، وكل هذا يساهم في وحدة الأمة الذي هو هدف المشروع الوطني الأول وبخلافه تكون هناك دولة (مكونات وطوائف وقوميات) كل منها له اهدافه المقدمة على ما سواها من أهداف قد تلتقي أو تتناقض فيما بينها ومن الطبيعي أن ينقسم المكون الإجتماعي للشعب على أساس الدين أو العرق او الجنس!. وبالرغم من أن المشاريع الطائفية أو القومية المتعصبة قد تلغي أو تهمش ما سواها من روابط وطنية وقد تضعف المكونات الأخرى على حساب إنتمائها. بينما من واجبات المشروع الوطني الأعتراف بحقوق المكونات (المواطنة) سواء كانت اغلبية او أقلية وبنفس القدر الذي يعزز(الوحدة الوطنية) بينما تحرص المشاريع الطائفية والعرقية والمكوناتية على تقدم مصالح المكون على مصلحة المكونات الأخرى فضلاَ عن المصلحة الوطنية وتقسم الشعب إلى مكونات وأغلبية وأقلية وعرقية ودينية وبهذا تؤسس لإضعاف الوحدة الوطنية . وبينما يحرص المشروع الوطني على إلغاء التناقضات والمخاصمات بين المكونات وبهذا يكون تنوع المكونات يصب في قوة الوطن و وحدة الشعب ويعزز الشعور الوطني . لكن من المهم جداً أن نفصل بين فرض الأغلبية الدينية أو الطائفية أو العرقية على نتائج الإنتخابات إن لم تكن تلك النتائج حصلت بفعل الصندوق الإنتخابي ذاته لأنه في النظام الديمقراطي هو الحكم وهو المقياس وتاتي بعده التحالفات قبل وبعد الإنتخابات ويبقى الصندوق الإنتخابي هو المقياس . وبخلافه فأن الأغلبية الطائفية تقودنا نحو دولة طائفية والأغلبية القومية تقودنا نحو الدولة القومية المتعصبة والأغلبية الوطنية تقودنا نحو الدولة الوطنية دولة المواطنة . إن لم نعترف بنتائج الإنتخابات وحصيلة الصندوق ونحترم إرادة الشعب ونذهب إلى الأغلبية الإجتماعية او الدينية أوالطائفية أو العرقية فهذا يترتب عليه أمور خطيرة منها : أ. إلغاء الإنتخابات الحرة بصيغتها الحالية والتحول إلى نظام (الأنتخابات الجزئية) الطائفية والعرقية حيث تختار كل طائفة مرشحها للمنصب المخصص للطائفة أو العرق (الشيعة يختارون مرشحهم لرئاسة الوزراء والسنة يختارون مرشحهم لرئاسة البرلمان والكرد لرئاسة الجمهورية). وتبقى (الإنتخابات الحرة) لإختيار مرشحي البرلمان . وهذا يقتضي إعادة صياغة الدستور لأن ذلك يتعارض جملة وتفصيلاً معه . أو على الأقل منح الاغلبية الشيعية فرصة مستقلة عن الإنتخابات العامة لإختيار مرشحيهم للمناصب الخاصة. وهو أيضاً مخالفة صريحة لنظام الإنتخابات كما هو مخالفة صريحة للدستور. لكن إذا ماتم تعديل الدستور والنظام الإنتخابي وتعديل مفهوم الأغلبية الإنتخابية . وهذا هوما يجري اليوم بإعلان إن الأغلبية ليست للحزب الذي يفوز بالإنتخابات ولا للتحالفات الإنتخابية ولكن وبمنتهى الصراحة (أكد رئيس تحالف الفتح هادي العامري خلال استقباله السفير الالماني لدى العراق “مارتينيز ييغار” في مكتبه ببغداد إن “الاطار الشيعي لم ولن يتنازل عن تشكيل الكتلة الأكبر لضمان حق المكون الشيعي”) رغم كون الأطار التنسيقي لم يكن الكتلة الأكبر وكذلك يقول السيد المالكي (المذهب وطني) وهناك العديد مِن مَن أكدوا مثل هذه الفكرة (الأغلبية الشيعية) وداعش من جانب آخر يرفع شعلر (الوطنية وثنية)!. ب. فكرة الأغلبية الطائفية هي بلا أدنى شك فكرة (عقائدية) تبنى عليها أفكار عقائدية تفرض وجودها على الجميع بغض النظرعن مدى الإيمان بها أو رأي مقلدي المراجع الأخرين بهذا أو حتى من لا ينتسب للطائفة وقد تستوجب فيما بعد تعيين مرجعية دينية محددة (بذاتها) للدولة تكون ملزمة للحكومة وللبرلمان . ج.وفكرة الأغلبية الطائفية الدينية غير السياسية يترتب عليها تعسف طائفي في كافة مجالات الدولة من تعينات أو قبول خاص أو زمالات ثم تسحب فكرة الإنتماء مقدم على ما سواه من خبرة أو أحقية لأن (مصلحة المذهب) مقدمة على ما سواهاَ! ... د. ومن الطبيعي جداً ان تنسحب الفكرة الطائفية على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ويتم تأسيس أجهزة أمنية لها (قداستها) وعصمتها الدينية توفر لها غطاء ديني يحول دون محاسبتها أو فرض قوانين وضوابط مدنية . هـ.فكرة الأغلبية الطائفية الدينية غير السياسية الحاكمة تمنحها الولاية الدينية على أتباع المذهب داخل وخارج العراق أيضاً وقد تضع العراق في تنافس ولائي أو صراع بين أكثر من مرجعية دينية خارج وداخل العراق وقد تؤدي إلى تناقضات سياسية مع الدول الخارجية. و.فكرة الأغلبية الطائفية الدينية غير السياسية الحاكمة تفرض علينا ولاية دينية خارجية بحكم درجة التقليد ودرجة الإتباع لمرجعيات معتبرة خارج العراق. ز.وهي في النهاية تلغي فكرة الإنتخابات وفكرة الصندوق الحاكم وبالتالي تنشيء تفسير جديد للديمقراطية وحكم الأكثرية . لابد من الأخذ بنظر الإعتبار قناعات الشعب في المرشحين للإنتخابات ويمكن لهذه القناعات أن تأخذ أحقيتها وقوتها من خلال صناديق الإنتخابات فليس كل من إنتمى للطائفة مقتنع بلأفكار السياسية للأحزاب الدينية التي تنبثق من طائفته وفي أغلب الأحيان هم غير واثقين من تلك الأحزاب بكونها تمثل الطائفة بل في كثير من الأحيان يرفضون هذه الفكرة التي تصر الأحزاب عليها (كونهم ممثلي الطائفة) وخير مثال على ذلك أن مقاطعي الإنتخابات الأخيرة بلغ 80% من مجموع الناخبين وهذا بلا أدنى شك يعني رفض الأحزاب المشاركة فيها والذي زاد من عكوف الناس عن المشاركة فشل تلك الأحزاب في إدارة الدولة بل مشاركة الغالببية منهم في الفساد والفشل الذي إنتشر في كل مرافق وزوايا الدولة والشعب يرفض أن يلصق ذلك بالطائفة والطائفة والدين من الفاسدين والسراق براء والعراق هو الأصل والخيمة التي تجمعنا ومنه رفاهيتنا وسعادتنا.
مشاركة :