محاربة ترسيخ الطائفية: سوريا مثالًا

  • 12/10/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

رغم كل الملابسات الأخرى، يأتي مقتل «علي عبدالله صالح» في اليمن خطوةً نحو ترسيخ الطبيعة الطائفية لكل مشكلةٍ وصراع في المنطقة العربية.تسعى إيران وحلفاؤها -فضلًا عن قوىً أخرى دولية- لتجذير تلك الطبيعة بكل طريقة ممكنة؛ لحذف كل ما له علاقة بالسياسة من المعادلة، وتلبيس قضايا المنطقة بأسرها خلفيةً مذهبيةً ودينيةً.ففي هذا المسار يتوقف العقل وتتحرك الغرائز. تنتفي الحسابات وتعمل العواطف. تُقاد الجماهير بالشعارات والتجييش الأعمى، بغض النظر حتى عن مصالحها العاجلة والآجلة. يُقتل كل اهتمام بالإنسان والتنمية تحت غطاء مشروعيةٍ مزيفةٍ تُربط بالهويات والتاريخ والسرديات الخرافية.وبينما يمكن التعامل مع كل المشكلات والصراعات والاختلافات من مدخل السياسة، يكاد يصبح التعامل معها مستحيلًا من مدخل الانتماء الطائفي والمذهبي والديني.في هذا الإطار يُصبح البحث مطلوبًا عن كل مسارٍ آخر توجد فيه عناصر تُسهم بإفشال تلك الخطة المشؤومة. ورغم دهشة قد تصيب البعض، لا يزال ممكنًا أن تكون الساحة السورية أحد المواقع التي يمكن فيها العمل لتحقيق الهدف المذكور.منذ فترة، طلب الاتحاد الأوروبي من بعض خبرائه البحث في موضوع الطائفية، في المشرق العربي تحديدًا، وتقديم توصيات له بهذا الخصوص. وفي دراسةٍ أعدها «رفائيل لوفيفر»، الباحث في جامعة أكسفورد ومعهد كارنيجي، يتحدث الرجل عن إصرار البعض على تفسير «الضغائن القديمة» والصراعات «القروسطية» لفهم ما يجري في سوريا خلال السنوات الماضية تحديدًا. بالمقابل، يرى الباحث أن الصراع «له في الواقع جذور حديثة نسبيًّا، سياسية في معظمها».يُقر الباحث بواقع التركيبة السكانية السورية قائلاً: «بطبيعة الحال، دائماً ما تكون الهوية الطائفية مسألةً مهمة بالنسبة للمجتمع في بلد يتسم بدرجة كبيرة من التنوع الديني». لكنه يضع الموضوع في سياقٍ آخر قائلاً: «ولكن في الوقت نفسه، تكاملت هذه الانتماءات الدينية التي لم يتعاظم دورها بحيث تُناقض الهوية الوطنية السورية التي تفاخرت غالباً بالفسيفساء الدينية للبلد. وفي الواقع، حتى العام 2012، نادرًا ما تُرجم هذا التنوع الديني إلى اضطرابات طائفية واسعة النطاق في العصر الحديث. وعلى الصعيد السياسي، لم ينقسم السوريون إلى حدٍّ كبير على أسس طائفية، كما هو الحال في لبنان المجاور... بدلاً من ذلك، فإن أحزابًا مثل حزب البعث السوري على سبيل المثال الذي كان قوةً سياسيةً متناميةً في الخمسينات، قبل أن يصبح الحزب الحاكم في العام 1963، ضمّ أعضاء من الأقليات مثل المسيحيين والعلويين، ولكنه تضمن أيضًا نسبًا كبيرةً من السُّنة الأكثر فقرًا المنجذبين لرسالته الاجتماعية (وقتَها). وعندما أصبح فارس الخوري، زعيم حركة الاستقلال السورية، رئيسًا للوزراء مرتين ورئيسًا للبرلمان أربع مرات في الأربعينات والخميسنات، فإن حقيقة كونه مسيحيًّا وليس سُنيًّا، ككثير من كبار السياسيين في وقتٍ سابق، لم تقف عقبة في طريق نجاحه الشعبي».يتحدث الباحث، بعدها، كيف أن «تطييف» الأزمة كان «جزءًا متعمَّدًا من استراتيجية (فرّق تَسُد) التي يعتمدها النظام السوري وتهدف إلى إذكاء التوترات الطائفية؛ من أجل شق صفّ المعارضة»، كما يتحدث عن دور الميليشيات الإيرانية في المسألة. بل ويتحدث عن سقوط بعض أطياف المعارضة، خاصة المسلحة منها، في ذلك الفخ، إما كرد فعل أو استجابة لرؤية أيديولوجية متطرفة. لكنه يشير رغم ذلك، إلى استطلاعات رأي أشارت إلى «أن غالبية السوريين ينظرون بالفعل إلى (المشكلة الطائفية) في البلاد، على أنها ذات جذور سياسية حديثة ولا تنبع من (ضغائن قديمة)».ليس هذا مقام التفكير الرغائبي أو النظرة «التجميلية» لسوريا شعبًا وثقافةً. فالأزمة موجودةٌ بالتأكيد. والاستطلاعات نفسُها تشير إلى أن ٧٢٪ من السوريين ذكروا أنهم وقعوا ضحايا لتمييزٍ طائفي! ولكن، حين يكون البحث مُلحًّا عن أي ضوءٍ في نفق الواقع العربي المعاصر، سيبقى مغريًا البحث في سُبل إبقاء هذا البلد العربي جزءًا من الحل المنشود.

مشاركة :