الديمقراطية التوافقية وترسيخ الطائفية

  • 5/21/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حسام ميرو تشكل الحالتان السياسيتان في لبنان والعراق، نموذجاً واضحاً عن الديمقراطية التوافقية، وقد تبنّى لبنان الديمقراطية التوافقية بعد مؤتمر الطائف في عام 1989، والذي أنهى حرباً أهلية دامت حوالي 15 عاماً، بينما كان سقوط نظام صدام حسين، عبر التدخل الأمريكي /الغربي، مقدمة لبروز النظام الديمقراطي التوافقي، وفي كلتا الحالتين اللبنانية والعراقية، فإن النظام الديمقراطي هو نظام يضمن حصة الطوائف في الحكم، والهدف الرئيس منه هو عدم احتكار الأغلبية للسلطة السياسية، ومنح الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية حصصاً في مؤسسات الحكم في كل مستوياتها. وفي تاريخ الفكر السياسي، يعد المفكر الهولندي أرنت ليبهارت، من أوائل المنظرين لهذا الشكل من أشكال الديمقراطية، حيث يعتبر ليبهارت أن الحاجة إلى نظام ديمقراطي توافقي، تفرضها ظروف النزاعات التي تعيشها بعض الدول. وبالفعل، فإن خروج لبنان من حرب أهلية طاحنة، لم يكن ممكناً إلا عبر شكل من أشكال التوافق بين الطوائف التي خاضت الحرب، وتمتلك كل منها هواجس كثيرة تجاه الطوائف الأخرى، وتحتاج إلى تثبيت حقوقها عبر الدستور، والنظام الانتخابي، الذي يضمن لها المشاركة في صياغة القرارات السياسية، والحصول على امتيازات في الوظائف، من أعلى الهرم المؤسساتي إلى أسفله.وإذا كان لبنان قد خسر دولته خلال الحرب الأهلية، فإن دخول الأمريكيين إلى العراق أنهى النظام السياسي القديم، والعقد الاجتماعي المؤسس للدولة، وحل الجيش، وأسس لنظام ديمقراطي توافقي، كان الهدف المعلن منه، إحداث حالة من الاستقرار الداخلي، عبر تشارك جميع المكونات الطائفية والإثنية في الحكم، وهو الهدف الذي بقي مجرد يوتوبيا، بالنظر إلى مجريات الأحداث في العراق.إن أحد أهداف الديمقراطية التوافقية بحسب ليبهارت، هو التمهيد التدريجي للتحوّل نحو النظام الديمقراطي، بعد أن تنتهي النزاعات الداخلية، ويحل السلام الأهلي بالتدريج، مع عودة ثقة المكونات ببعضها بعضاً، لكن هذا الافتراض بحدوث تحوّلات سياسية واجتماعية تنقل المجتمع والأفراد من حالة انعدام الثقة إلى حالة الثقة، يبقى افتراضاً نظرياً؛ لأنه يتناقض من حيث المبدأ مع قدرة النظام الديمقراطي التوافقي على ترسيخ نفسه في مواجهة أية تحولات جذرية. فممثلو المكونات الطائفية والإثنية، عبر ترسيخ قدراتهم المختلفة، يمنعون نمو أية قوى سياسية ومجتمعية أخرى؛ بل إن الولاء المجتمعي والفردي لقادة الطوائف والمكونات يصبح أحد شروط الحصول على مكاسب مجتمعية أو وظيفية أو مالية.إن الديمقراطية التوافقية تفترق مفصلياً عن الديمقراطية الليبرالية/الغربية في كونها لا تقوم على أسس المواطنة المتساوية، ولا تعطي المجتمع المدني أي دور حقيقي في المشاركة في صياغة الرأي العام أو القوانين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أكدت الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت مؤخراً، فشل قوائم المجتمع المدني، العابرة للطوائف، في إحداث اختراق جدي للمحاصصة الطائفية، ويشكّل هذا الإخفاق حالة إحباط جديدة لفئة الشباب، الذين ولدوا بعد الحرب الأهلية، وبعد اتفاق الطائف، والطامحين إلى تغيير النظام السياسي من نظام المحاصصة الطائفية، إلى نظام يقوم على الديمقراطية الفعلية، المؤسسة على قيم المواطنة المتساوية.الانتخابات النيابية العراقية لم تكن أفضل حالاً من مثيلتها اللبنانية، فهي لم تشهد أي حضور جدي لقوى المجتمع المدني، بل أعادت تدوير الزعامات الطائفية، وفي كلتا الحالتين، العراقية واللبنانية، هناك فشل واضح في إعادة بناء الدولة، فالهم الرئيس للزعامات الطائفية/السياسية، هو الحصول على أكبر حصة ممكنة من المكاسب، من دون أي اكتراث بمستقبل الدولة والمجتمع، أو حتى بالفئات التي يدّعون تمثيلها وتأبيد حضورها في المشهد السياسي، ومنع ظهور منافسين طائفيين لها.وإذا كان فشل النظام السياسي واحتكار السلطة من قبل فئة محددة، هو أحد الأسباب الرئيسة لنشوب حرب أهلية، أو لحدوث تدخل خارجي، على خلفية نزاعات داخلية، فإن الخروج من الحروب الأهلية عبر نظام ديمقراطي توافقي لا يمكن أن يشكّل مخرجاً حقيقياً ومستداماً من حالة النزاع الأهلي، بل إنه يبقي النزاع في حالة من الضبط ليس إلا، قابلة لاستعادة العنف في أي لحظة، ورهناً لإرادة الزعامات الطائفية.إن انهيار الدول، وانحدارها من الوطنية نحو التعبيرات السابقة على نشوء الدولة الوطنية، وفي مقدمتها التعبير الطائفي، يجعل من الصعوبة بمكان، توليد نظام سياسي يقوم على قيم المواطنة والديمقراطية. husammiro@gmail.com

مشاركة :