ابتهال شعري لـ محمد بن راشد.. «شرابٌ راق لي»

  • 4/30/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جمال الشعر في روحانيّته وعذوبته وتجليات قائله واشتغاله على المعاني العميقة والذاتية الشفيفة، وفي السياق تكون الرسالة والهدف، ولكنْ، ضمن قالب فيه من السحر الحلال ما فيه، وفيه مما ترتوي منه النفس الشراب العذب، وفي هذا المضمار يحلو لفارس الشعر والقصيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، أن يُحلّق فوق المعتاد من العادي والمكشوف، ليعطينا شذرات إحساسه الرفيع، تماماً مثل عذوبة شهد القصيدة، قصيدة وابتهال «شرابٌ راق لي»، التي بذل في أبياتها أروع ما يبتدئ به شعراء سمو الذات والإحساس والشعور بالقرب من الله واليقين في الوصول إلى نشوة الفرحة التي يضفيها القرب منه، وهو الشفيف في صفاته، العالي في مكانته، الذي يمنح النفس صفاءً ورونقاً عالياً لا يحسّ به إلا من عاش أجمل التفاصيل وأرقاها في ملكوت الله، والعيش في رحابه. حلاوة وعذوبة ومنذ البيت الأوّل، يحسّ القارئ لهذه المقطوعة النفيسة من خيوط الوصل والانسجام التام بين الشاعر والمساحة المضيئة للعقل والوجدان، أنّها قصيدة بوح واعتراف، وطقسيّة خاصّة بشاعرها، حين يصف كأس الإيمان وما فيها من حلاوة الشراب، الكأس التي تُدار على الذين يعشقون الرحاب الروحانية ويعيشون في ألق نورها ويستمدون الإلهام من حرارة كلماتها، وهي تملؤهم حماسةً واستعداداً للانطلاق بموسيقى شعرية ينسجها شاعرها على البحر الوافر، فهي كأسٌ ليس لها من ساقٍ، مترعة وتفيض على صاحبها، بل وتجلو الهموم الدنيوية بالعيش في الظلال الربانيّة والتجليات الروحيّة. أمّا ماؤها أو مادّتها التي لا يشبهها في عتاقتها وأصالتها وطعمها شراب، فهي أنّها تستخلص من المآقي، وما في ذلك من دموع شاعرٍ عاشقٍ هيمان يعيش أطيب أنواع الهيام بحبّ الذات الإلهيّة، فحبها الكأس التي لا تدانيها كأس، وقد رقّت لنفس صاحبها وراقت له، فهي أجود ما يُقدّم، وهي الحالة التي تأخذ من صفات مذهلة وخارجة عن مألوف الشراب العادي.. إنّها قيمة معياريّة لكلّ حلاوة وعذوبة يمكن أن يحلم بها إنسان. عالم نوراني وهذه القصيدة، غالية بقيمة أبياتها، فلا يمكن لأحد أن ينالها أو يطمح بالوصول إليها إن لم يدفع ثمنها الحقيقي الذي تساويه، والذي هو أهلٌ للتمتع بكلّ دفقةٍ من دفقاتها الرائعة الساحرة، دفقات مخبّأة وعتيقة، تجعل شاربها محلّ تساؤل واستنطاق لكلّ ما عداها مما قد يحسبه الآخرون من جنس مادّتها الساحرة التي تأخذ فعلاً بالألباب وتقود شاربها إلى عالم نوراني هائل الومضات، ليأتي البيت الذي يشرح كلّ هذه المفاجآت في الأبيات الأولى، بأنّ شدو الشاعر وروعة إحساسه هو أمرٌ مرهونٌ بمدى القرب بعد الشوق واللقاء بعد البعاد، بها يَخفُّ شاعرها سريعاً وفي نفسه وعلى لسانه أجمل أبيات المدح الصوفيّ الجميل، بعد هذه المقدّمة الغالية، وهذه الانزياحات المبررة بالتميز عن السائد في تصوير فرحة النفس بعبق الإحساس الروحي المتوهّج بنور الله وفضائه المليء بالتجلّيات. روح صافية فنيّاً، تأسرنا عذوبة الصوت الموسيقي المنبعث من روح صافية الإحساس، وهذا الاشتغال على الإحساس اللفظي أو الصوتي في «رقّت وراقت»، وما بينهما من قرب وتجاور، وهذه القافية الرقيقة على حرف القاف المشبع بما يخصّ الشاعر: «اشتياقي»، «اعتناقي»، «لحاقي»، كما في أبيات القصيدة التي تتقدم بهذه الأبيات، كما يكون المتلقي مشدوداً عبر هذا الابتهال إلى المشهد وتساؤلات الشاعر وتعبيره الذي يودّ لو شاركته فيه كلّ الدنيا والناس وعاشوا التفاصيل التي عاشها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «رعاه الله». عمق فلسفي إنّ استعارة القصيدة من المحسوس المادي المألوف للناس باتجاه القيمة الأسمى، هو فنٌّ شعري رائع، يأخذ العادي إلى غير العادي والقريب إلى البعيد والواضح البسيط إلى العميق الفلسفي بما فيه من أثر. أمّا شرح الفكرة في أبيات متأخرة عن البداية المشهدية القويّة، فهو أسلوب اعتدناه من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يبرع في التصوير وإضاءة البسيط من الأشياء والأمور ليضفي عليها قيمةً عاليةً وارفة الظلال الصوفيّة تتألق بها أبيات وتسير في ركابها كلّ الأبيات. وهكذا، تكتمل القصيدة بتبجيل الشاعر لله خالق الأكوان، فهو يسير على منهجه ويعتنقه ويسير على هدي نبيّه المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه، حين يظلّ الراجي لعفوه وإحسانه وعطائه ورأفته بالناس في الدنيا والدين، ليكون على تواصل دائمٍ مع ذات الخالق الرحيم الذي من صفاته أنّه القريب من الناس والرؤوف بهم في كلّ الأحوال: شرابٌ راق لي من غير ساقي لمترعةٍ تُدار من المآقي عجيبٌ أنّها رقّت وراقتْ مخبّأةً من الحقب العتاقِ وأغلى سعرها ما بانَ منها فهل من سالفٍ منها وباقي وإنّي عند ذكر الله أشدو بها لأخفّ من برح اشتياقي.

مشاركة :