تزيد إنتاجية الموظف وتقاوم الأمراض

  • 12/9/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا تتوقف أهمية الأبنية الخضراء عند حدود الشكل الهندسي فقط، خصوصاً بعدما تطور مفهوم البناء الذي بات يتماشى مع المعايير البيئية والصحية، ويؤمّن للإنسان في الوقت نفسه بيئة عمرانية مريحة وصديقة للبيئة، الأمر الذي يجعل من البناء الأخضر استثماراً مربحاً، حياتياً واقتصادياً. وانطلاقاً من هذا الواقع الهندسي المُستجد على الساحة اللبنانية تتناول الخليج مع المهندس ربيع خيرالله، رئيس مجلس لبنان للأبنية الخضراء، واقع البناء الأخضر في لبنان، ومدى حجم الاهتمام به من المطورين العقاريين. حيث يصِف خيرالله، المبنى الأخضر بأنه المبنى الصديق للبيئة وينسجم معها، كما لديه تأثير في محيطه وفي الموارد الأولية، خصوصاً الطاقة التي تُعتبر أكبر ملوث للبيئة كونها مسؤولة عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي ساهم منذ العقد الماضي في الاحتباس الحراري الذي تشهده الأرض، والتغيير المناخي. ويقول: الأبنية الخضراء تركز على تخفيف انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال استخدام الطاقة والمياه بكفاءة عالية، إضافة إلى اعتماد القاعدة الثلاثية للحدّ من كميات النفايات من خلال إعادة تدويرها، وإعادة استخدامها وصولاً إلى إنتاج أقل لها، وبذلك يؤمّن المبنى الأخضر بيئة طبيعية وصحية للإنسان. وعن الاختلافات بين مفهوم البناء الأخضر والعادي في الهندسية التقليدية، يوضح، قائلاً: لا تختلف الأبنية الخضراء بالشكل الأولي كثيراً عن المبنى العادي. فيجب أولاً دراسة الموقع واتجاه المبنى مع الشمس والهواء، وكيف يؤثر في غيره من الأبنية المجاورة. لكن الخبير في هذا النوع من الأبنية بإمكانه تمييز المبنى الأخضر عن العادي من خلال الخصائص التي يتمتع بها، كتصميمه واتجاهه، وعدد النوافذ الموزعة على جدرانه، بحيث يكون الهواء الموجود داخل المبنى صحياً ومريحاً ونظيفاً. لهذا يجب أن تكون التهوية والإضاءة ملائمة وطبيعية قدر الإمكان، كما يجب أن تكون مواد البناء المستعملة في المبنى ذات الانبعاثات العضوية السامة مخفضة (low VOC) كالدهان مثلاً، ومن المستحسن أن يكون أساسه من الماء وليس النفط، وكذلك المادة اللاصقة للبلاط والخشب يجب أن تكون صديقة للبيئة ولا تنتج روائح سامة. ويضيف: يجب أن يوفر الموديل المعروض للمبنى الأخضر راحة وتعكلفة تشغيل أقل وصيانة أسهل، وأوردت دراسة إحصائية في الولايات المتحدة أن إنتاجية الموظف الذي يعمل في مبنى أخضر تزيد 16% أكثر مما هي عليه في المبنى العادي، ونسبة الغياب بسبب المرض تقل 11%، ما يعني أننا نستثمر في الإنسان أيضاً، وليس في البناء فقط. ويؤكد خيرالله أن الأبنية الخضراء الصديقة للبيئة ليست جديدة في لبنان، إذ جرى استخدام عدة تقنيات مستدامة في السنوات الماضية كالتهوية الطبيعية وتجميع مياه الأمطار وتخزينها والعزل الحراري للغلاف الخارجي، لذا كانت الحاجة كبيرة إلى المزيد من الأبنية المستدامة، خصوصاً أن الموارد الأولية من المياه والطاقة باتت تواجه ضغوطاً قوية لتلبية الطلب المتزايد عليها، بحسب خير الله. ويشير إلى أنه في المقابل شهد لبنان في وقت سابق ارتفاعاً كبيراً في أسعار البناء، واشتدت المنافسة في نوعيته، إذ أصبح البناء الأخضر مادة تسويقية، يتنافس المطورون العقاريون في عرضها لاجتذاب الزبائن الذين أصبحوا مدركين لأهمية هذا النوع من الأبنية. أما على الصعيد التجاري فيمكن للمطوّر العقاري أن يبيع ويؤجّر البناء الأخضر بسعر أعلى وبسرعة أكبر ليسترد التكلفة الإضافية بشكل فوري وسريع، ومحققاً أرباحاً إضافية، مؤكداً أن التوجه نحو مواصفات الأبنية الخضراء لا يحتاج إلى الكثير، لهذا يمكن بناء أبنية خضراء بتكلفة إضافية لا تتجاوز 5% في وسط بيروت و10% خارج العاصمة. ويشدد خير الله على ضرورة تعديل كثير من القوانين لأنها قديمة جداً، ويقول: التنظيم المدني ونقابة المهندسين مقتنعان بذلك، وهما رأسا الحربة في السعي لتعديل قانون البناء. وخلال الفترة التي جرى فيها الحديث عن طابق الميقاتي، جرى تأليف لجنة لدراسة التعديلات اللازمة، خصوصاً أن المشروع كان يتضمن إلزام صاحب المشروع بالحصول على رخصة زيادة عامل الاستثمار من قبل التنظيم المدني شرط أن يكون المبنى أخضر. وكان الهدف من المشروع إدخال إيرادات كبيرة إلى خزانة الدولة لتوقعهم أن هذا الاستثمار سيشهد إقبالاً كبيراً من المطورين العقاريين، لكن المشروع لم ينفذ لعدة أسباب، منها التسرع في وضع القانون، فضلاً عن وجود تحفظات بيئية وعمرانية كبيرة عليه، الأمر الذي ساهم في إلغائه. ويلفت إلى أن لجنة أخرى ضمت النقابة والتنظيم المدني ومجلس لبنان للأبنية الخضراء LGBC تألفت لتحديد شروط ومواصفات المبنى الأخضر، كما عملوا مع ليبنور ووزارة الطاقة ومعهد البحوث وبعض الجمعيات الأهلية من أجل اعتماد مواصفات خضراء لبنانية كي تكون الأساس لكود وقانون البناء في المستقبل القريب. وعن مميزات التقنيات المعتمدة في الأبنية الخضراء، يقول خير الله: التقنيات المعتمدة في تلك الأبنية غير بعيدة عن تقنيات جدودنا الذين كانوا يشيدون أبنية مستدامة وخضراء قبل أن يطغى الوجه التجاري على الأبنية، من تقلّص في المساحات وتبدّيل في مواد البناء بحجة تكلفتها المرتفعة. من هنا يمكن القول إنه توجد تقنيات قديمة وأخرى متطورة جداً في الأبنية الخضراء، وبفضل توسع ونضوج السوق فإن الأسعار باتت تشهد تراجعاً، فالطاقة الشمسية والإنارة بتقنية LED أصبح سعرها في متناول الجميع، وأيضاً العزل الحراري يمكن استرداد تكلفته خلال أشهر، لهذا فإن الدراسة الصحيحة واستعمال التقنيات الحديثة للمكيفات تساعد على التوفير حتى 40% من استهلاك الطاقة في المبنى الذي يعتبر مسؤولاً أيضاً عن ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة وعن 40% من النفايات الصلبة. ويوضح خير الله أن في الأبنية الذكية تُطبق تكنولوجيا مختلفة عن تلك المعتمدة في الأبنية الخضراء. ويأمل خير الله أن يرى بيروت مطبوعة بشخصية هندسية جديدة في المستقبل، مؤكداً أنهم يعملون في هذا الاتجاه، إلا أن النتائج لن تكون في المستقبل القريب، ويضيف: نبني اليوم للجيل الجديد، ونسعى لإنشاء جيل أخضر، بمعنى أن عملية المبنى الأخضر ليست ببناء الجدران، بل بطريقة استعماله، فسوء استخدام الأبنية المصنفة خضراء بمستوى عال يحولها بسرعة إلى رمادية. لهذا من المهم التشديد على عملية تشغيل المبنى بطريقة خضراء لأنها أساسية أكثر من قيمة المعدات التي يجري تركيبها، وتعليم وتدريب الإنسان على هذه الثقافة. ويشير إلى أنهم افتتحوا عدداً من الأندية البيئية ضمن المدارس لتثقيف الطلاب بيئياً، ويلاحظون تجاوباً في المدارس.

مشاركة :