القطة التي ألهمت نزار قباني

  • 5/1/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الشعر، شأنه كشأن كل ألوان الإبداع، وليد لحظة انفعال فارقة، وعندما تحين تلك اللحظة تنبعث الكلمات من حيث لا يدري الشاعر نفسه، وتنهال على لسانه وشفتيه، ليخطَّها قلمه فيما بعد. وقد يتوهم بعض المبالغين أن الموقف الذي يحرك الشاعر لا بد أن يكون أمرًا جللًا، ليزلزل وجدانه ويُنطقه بما لم يقل من قبل، إلا أن الواقع لا يؤيد هذا التصور المفرط في المثالية، فكثيرًا ما يشتعل الإلهام الشعري بفعل أهون الأشياء، و«معظم النار من مستصغر الشرر». وشاعرنا الكبير نزار قباني أحد الشعراء الذين حفلت حياتهم بنماذج تؤكد هذا، ولعل قصيدته البديعة التي نظمها في إسبانيا، ومطلعها: فِي مَدْخَلِ الْحَمْرَاءِ كَانَ لَقَاؤُنَا     مَا أَطَيْبَ اللُّقْيَا بِلَا مِيعَادِ     خير دليل، ووراءها قصة شهيرة عادةً ما تتردد، بطلتها مرشدة سياحية اصطحبت نزارًا في أرجاء قصر الحمراء الذي يمثل أحد معالم الحضارة الإسلامية في الأندلس. ويكفي أن ننصت للشاعر لنعرف تفاصيل الحوار الذي ساقه إلى السفر في التاريخ القديم، والتعبير عن اشتياقه إلى تفاصيله الدقيقة: «هَلْ أَنْتِ إِسْبَانِـيَّةٌ؟» سَاءَلْـتُهَا       قَالَتْ: وَفِي غَـْرنَاطَةٍ مِيلَادِي     غَرْنَاطَةٌ؟ وَصَحَتْ قُرُونٌ سَبْعَةٌ       فِي تَينِـكَ الْعَيْنَينِ بَعْدَ رُقَادِ     وَأُمَـيَّةٌ رَايَاتُـهَا مَرْفُوعَـةٌ       وَجِيَـادُهَا مَوْصُـولَةٌ بِجِيَـادِ     مَا أَغْرَبَ التَّارِيخَ! كَيْفَ أَعَادَنِي       لِحَفِيـدَةٍ سَـمْرَاءَ مِنْ أَحْفَادِي؟       كل هذا لا جديد فيه، ولا غرابة تحيطه، لكنَّ المدهش حقًّا أن نجد من يروي لنا قصة ميلاد هذه القصيدة على نحو آخر، لنكتشف أنه ليس ثمة مرشدة في الحقيقة، وإنما هي جزء من خيال الشاعر الذي لا يكفُّ عن الإبداع. وفي كتاب «قصتي مع الشعر» لنزار قباني، يتحدث الشاعر عن قطة رآها خلال رحلته في إسبانيا، قائلًا: «لا أزال أذكر حتى الآن قصتي مع قطة من قطط غرناطة، تركت مئات السائحين الأجانب يتجوَّلون في حدائق (جنات العريف) واختارتني وحدي لتبثني أشجانها.. كانت تلتصق بي التصاق امرأة عاشقة، وتمرُّ بلسانها على وجهي ورقبتي.. لقد مرَّت خمس سنين على التقائي بها، ولا أزال مقتنعًا أنها تنحدر من سلالة قطة عربية جميلة، جاءت على نفس المركب الذي حمل طارق بن زياد إلى الساحل الإسباني في القرن السابع»، وإلى هنا تنتهي الرواية. غير أن هناك من يعقد علاقة بين رواية الشاعر غير المكتملة وقصة القصيدة، إذ يحكي الدكتور سيَّار الجميل في مقال له أنه التقى أحد أصدقاء نزار، وهو الإعلامي سمير مطاوع، وسرد له كيف شغلت تلك القطة بال نزار، وعاد إلى الفندق وهو يفكر فيما جرى بينهما، ليكتب قصيدته مؤمنًا بأن تلك القطة ما هي إلا امرأة عربية من أصل دمشقي، تناسخت روحها عبر مئات السنين، وهي القصة التي لم يحكها نزار نفسه. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :