«قمة كامب ديفيد» دشنت مرحلة جديدة للعلاقات الخليجية - الأميركية

  • 12/9/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

جاءت القمة الخليجية الأميركية التي عقدت في منتجع كامب ديفيد في مايو الماضي في ظل الظروف الدقيقة التي تشهدها المنطقة، ولمطالبة الإدارة الأميركية بالمزيد من الشفافية والوضوح حول موقفها من التمدد الإيراني وما يسببه من أزمات في عدد من الدول العربية، كما هو حاصل في سورية والعراق واليمن والبحرين ولبنان. وكانت تلك القمة منعطفا مهما في العلاقات الخليجية - الأميركية، خاصة وأنها عقدت بعد تشكيل التحالف العربي في عاصفة الحزم وبروز التوجه الجديد لإنشاء قوة عربية دفاعية مشتركة، مما قد ينهي الاعتماد على الدول الغربية، رغم العلاقات التاريخية التي تربط دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية. هذا التوجه الجديد جاء مدعوماً ببعض الآراء التي طالبت بالمزيد من الاعتماد على النفس في صناعة أمن قومي عربي تكون دول الخليج محوره، نظراً لما تمتلكه تجهيزات وتقنيات عسكرية قادرة على قلب الموازين، علاوة على الخبرة التي اكتسبتها من مشاركتها في أكثر من حرب. هذه الأصوات تحدثت عن إنشاء ترسانة خليجية دفاعية تكون رادعة لأي تدخل خارجي. العالم اليوم لا يعترف إلا بالقوة وبالقوى مما أكسب تلك القمة أهمية استثنائية بالتوازي مع التدخل الإيراني الصريح والواضح في الشؤون العربية الداخلية والتي اصطلت بناره سورية ولبنان والبحرين واليمن مما دفع قادة دول مجلس التعاون للذهاب الى الاجتماع برؤية مشتركة واضحة تهدف الى المزيد من الأمن والاستقرار لدولهم وللمنطقة وللعالم اجمع. رسمياً، ركزت قمة كامب ديفيد على ثلاثة محاور رئيسية وهي التعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة التحديات الإقليمية ومن ضمنها التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة. وهدفت القمة صراحة الى الانتقال بالعلاقات القوية والإستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الى مستوى غير مسبوق، وهو ما يلمسه المتتبع والقارئ السياسي للبيان الختامي للقمة. حيث أكد على أن دول المجلس ملتزمة بتطوير نظام إنذار مبكر بمساعدة فنية أميركية في الوقت الذي تعهدت فيه واشنطن بسرعة امداد دول المجلس بالاسلحة وإرسال فريق الى المنطقة لمناقشة التفاصيل، وهو ما يعتبر صفعة سياسية "لمثيري الشغب" في المنطقة. إن وجود نظام دفاعي متكامل سيسمح لدول الخليج بصد أي هجوم على نحو افضل إذ سيربط بين اجهزة الرادار والصواريخ الاعتراضية فيها لمواجهة أنواع شتى من الصواريخ، كما اتفق المجتمعون حينها على استخدام نظام الأقمار الصناعية الأميركية للإنذار المبكر وأجهزة رادار أميركية خليجية لرصد أي صاروخ معادٍ وإطلاق صاروخ من الجو أو البحر لاعتراضه وتدميره، مما سيضفي مزيداً من الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة براً وبحراً وجواً. إن الوصول الى توافق واسع بشأن قواعد التعامل مع أي تهديدات من المشاكل التي طرأت وطرحها المحللون بعد القمة، يحتاج الى العديد من التفاهمات بين الجيش الأميركي ومجلس التعاون الخليجي بحيث يسمح بالتبادل لبعض البيانات الحساسة لتفادي أي خطأ لا يُقبل في مثل هذه الظروف. مثل هذه النتائج سترفع من درجة التدريبات بين القوات الأميركية والخليجية الى مستوى مكثف لم يسبق له مثيل، على الرغم الشراكة الإستراتيجية الطويلة بين الجانبين. كما سهلت نتاج اجتماع "كامب ديفيد" نقل التقنية والسلاح والتدريب بين الجانبين. ولرفع آفاق التعاون الاستراتيجي أكد الحاضرون على أن الولايات المتحدة تولي مع شركائها في مجلس التعاون اهتماما بالغا بمنطقة يسودها السلام والازدهار، واهتماما أساسيا بدعم الاستقلال السياسي وسلامة أراضي شركائها في مجلس التعاون لتكون آمنة من العدوان الخارجي، مشددين على التشاور عند التخطيط لأي عمل عسكري خارج حدود دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة عند طلب مساعدة الولايات المتحدة فيه. وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب قرر القادة تعزيز التعاون بينهم لمواجهة التهديدات المشتركة، خاصة تنظيمي داعش والقاعدة، وردع وإحباط الهجمات الإرهابية مع التركيز على حماية البنية التحتية الأساسية وتعزيز أمن الحدود والطيران، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإيقاف المقاتلين الأجانب ومكافحة التطرف العنيف بكافة أشكاله. كما تم بحث سبل معالجة الصراعات الإقليمية والتخفيف من حدة التوترات المتنامية. وفي هذا السياق بحث القادة أكثر الصراعات حدة في المنطقة، بما فيها سورية، والعراق، واليمن، وليبيا، وما يمكن القيام به لحلها. واتفقوا على مجموعة من المبادئ، بما فيها الإدراك المشترك بأنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة والتي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كافة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحاجة لوجود حكومة تشمل كافة المكونات في المجتمعات التي تعاني من مثل هذه الصراعات، وكذلك حماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان. المهتمون بالشأن اليمني، يرون في بيان قمة كامب ديفيد الخليجية الأميركية حرصاً واضحاً على سلامة اليمن الشقيق، حيث شدد على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ، مؤكداً على الحاجة للانتقال السريع من العمليات العسكرية إلى العملية السياسية على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. قمة بهذا الحجم لم تنس دور المملكة وحرصها على الاحتياجات الإنسانية للمدنيين حيث أعرب المجتمعون عن تقديرهم للمنحة السخية التي قدمتها والتي بلغت 274 مليون دولار لمتطلبات الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن. وأكدت الولايات المتحدة مجددا التزامها، بالشراكة مع دول مجلس التعاون وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي، بالسعي لمنع تزويد قوات الحوثيين وحلفائهم بالأسلحة والذي يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2216. وفيما يتعلق بالشأن العراقي أكدت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة التزامها بمساعدة الحكومة العراقية والتحالف الدولي في قتالهم ضد تنظيم داعش، وعبروا عن أهمية تعزيز الروابط بين دول مجلس التعاون والحكومة العراقية على أسس مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدولة. الموضوع السوري كان حاضراً خلال هذه القمة، حيث أكد القادة التزامهم بالعمل نحو التوصل إلى حل سياسي مستدام في سورية ينهي الحرب ويؤسس لحكومة شاملة تحمي الأقليات العرقية والدينية وتحافظ على مؤسسات الدولة، مؤكدين أن الأسد قد فقد شرعيته ولن يكون له دور في مستقبل سورية. وأيدوا بقوة بذل المزيد من الجهود لتقويض وتدمير تنظيم داعش، وحذروا من تأثير الجماعات المتطرفة الأخرى التي تمثل خطرا على الشعب السوري، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي. وأعربوا عن قلقهم العميق بشأن استمرار تردي الوضع الإنساني وإدانتهم منع توزيع المساعدات على السكان المدنيين من قبل نظام الأسد أو أي طرف آخر. وبالنسبة للأحداث التي تشهدها ليبيا قرر القادة التحرك معاً لإقناع كافة الأطراف هناك بقبول اتفاق تقاسم السلطة وفق مقترحات الأمم المتحدة والتركيز على مكافحة الوجود المتنامي للإرهاب في البلاد. أما ما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أكدت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة بقوة على ضرورة التسوية على أساس اتفاق سلام عادل وشامل ودائم يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في أمن وسلام. ولتحقيق ذلك الهدف، شددت القمة على أهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002 والحاجة الماسة لأن يظهر طرفا الصراع، من خلال سياساتهما وأفعالهما، تقدما حقيقيا لحل الدولتين. وقررت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة مواصلة العمل معا للمضي قدما بهذا الخصوص، وتعهدت بمواصلة الوفاء بتعهداتها لإعمار غزة بحيث تشمل التعهدات التي التزمت بها في مؤتمر القاهرة في أكتوبر 2014. البيان الختامي للقمة وما حمله من تطمينات بمستقبل أكثر قوة وأمن واستقرار جعل المواطن الخليجي يشعر بالمزيد من الراحة حيث كان شاهداً على اتفاقيات تعزز مبدأ مجلس التعاون وتؤكد للقريب والبعيد على حد سواء على أن أمن المواطن الخليجي خط احمر لن يقبل قادة دول المجلس المساس به، وأكدوا على أن كلمتهم ورؤيتهم واحدة لمستقبل خليجي كل أجوائه صحية للعيش بطمأنينة بعيداً عن مشاكل وحروب المنطقة.

مشاركة :