مقال رأي: هل يحق للغرب التحدث باسم العالم؟

  • 5/1/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، أخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها يرددون أن العالم بأسره يحتشد وراءهم لفرض عقوبات على روسيا وعزلها. وبينما تباهى الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن "العالم متحد في دعمنا" و"تصميمنا"، يبدو أن الولايات المتحدة نسيت أن العالم يعني أكثر من مجرد الغرب. فمن الناحية الإحصائية، انضمت 48 دولة ومنطقة فقط إلى العقوبات المفروضة على روسيا. وفي الأمم المتحدة، لم تشكل الدول الـ141 التي أيدت "إدانة روسيا" سوى حوالي 40 في المائة من سكان العالم، في حين أن إجمالي عدد سكان الدول التي امتنعت عن التصويت وصوتت ضد ذلك يمثل أكثر من 50 في المائة. وكما قال إدوارد لوس، المحرر وكاتب العمود في صحيفة ((فاينانشيال تايمز))، في تعليقه، إن "الغرب متسرع في افتراض أن العالم يقف إلى جانبه بشأن أوكرانيا". وبالإضافة إلى 40 دولة متقدمة أو نحو ذلك تعتبرها الولايات المتحدة "العالم"، هناك 160 دولة نامية غير غربية أو أكثر، وخاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي تمثل في الواقع أكثر من 80 في المائة من سكان العالم. وبدلا من إرغامها على "الانحياز لأحد الجانبين"، يدعو معظمها إلى حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، ووضع حد مبكر للعقوبات المتصاعدة التي تشل التعافي الاقتصادي العالمي، وخاصة في العديد من الدول النامية. وبعد أن هيمن الغرب على العالم لمئات السنين نتيجة لمواطن القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، اعتبر من المسلم به أنه، إلى الأبد، صحيح سياسيا، ومتقدم، وديمقراطي، ومتطور؛ وأنه "منقذ العالم". ومع استرشاده بمثل هذا "الاعتقاد"، قام (الغرب) حتى بتبييض وتبرير قصفه العشوائي ليوغوسلافيا السابقة وغزو أفغانستان والعراق على أنه "إسقاط للشمولية" و"تحول ديمقراطي". وكما قالت وزيرة خارجية الولايات المتحدة سابقا مادلين أولبرايت "إذا كان علينا استخدام القوة، فذلك لأننا أمريكا. نحن الأمة التي لا غنى عنها. نحن نقف شامخين. ونرى بصورة أبعد في المستقبل". بالإضافة إلى ذلك، يحتكر الغرب وسائل الإعلام الدولية منذ فترة طويلة، ولديه القدرة على سرد وتعريف الأحداث الدولية وقمع وجهات النظر المختلفة. أحد الأسباب المهمة وراء ذلك هو أن الدول الغربية، بصفتها مؤسسة ومانحة رئيسية لآليات هامة متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، صارت مهيمنة تماما في وضع جداول الأعمال والقواعد الدولية. أما السبب الآخر فيكمن في أن ما يقرب من 90 في المائة من الأخبار الدولية يتم بثها باللغتين الإنجليزية أو الفرنسية، وأن وكالات الأنباء الغربية الثلاث، وهي وكالة أسوشيتد برس ورويترز ووكالة فرانس برس، تستحوذ على 80 في المائة من النشرات الإخبارية الدولية. كما توجد معظم منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية في الغرب. مثل هذه القوة تعني أن الغرب يمكنه بسهولة تحديد أو تشويه سمعة أي دولة حسب إرادته. كان هذا ملحوظا بشكل خاص خلال الصراع الروسي الأوكراني. فالغرب البار أخذ يعمل بشكل محموم في انسجام تام لمنع الأصوات المعارضة على كل منصة دولية ووسيلة إعلامية رئيسية تقريبا، وفي الوقت نفسه عزز السرد بجنون العظمة القائل بأن "أولئك الذين يرفضون معارضة روسيا" هم إما "أعداء للعالم ويقفون في الجانب الخطأ من التاريخ "أو" مجرد يقومون بنشر معلومات مضللة ودعاية". ولم ينقل الغرب صوت الساسة الروس ووسائل الإعلام الروسية، حتى بما في ذلك بعض الساسة غير الروس مثل فرانشيسكا دوناتو، العضوة الإيطالية في البرلمان الأوروبي، التي تم حظر حسابها على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لمجرد معارضتها للعقوبات المفروضة على روسيا. وبدلا من تعزيز محادثات السلام، واصلت الولايات المتحدة صب الزيت على النار لإسقاط روسيا والحفاظ على هيمنتها على حساب مصالح العالم بأسره. الآن، أصبح المزيد والمزيد من الناس يدركون نفاق ما يسمى بالقيم العالمية للغرب، والمفارقة المتمثلة في ممارساته ذات المعايير المزدوجة في العديد من الأماكن في جميع أنحاء العالم. ومع تزايد الدعوة العالمية للسلام والعدالة علواً وقوة، سيشهد الغرب انهيار احتكاره السردي للأحداث.

مشاركة :