'امرأة في الظلام' تبحث عن قاتل أسرتها

  • 5/5/2022
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تجمع هذه الرواية "امرأة في الظلام" للبرازيلي رافاييل مونتيز بين الرومانسية وتحليل الأبعاد النفسية والتشويق في حبكة بطيئة مثيرة للجدل، كون نهايتها مفتوحة على العديد من التأويلات، تبدأ بداية خاطفة لجريمة وقعت قبل عشرين عامًا حيث كانت بطلتها "فيكتوريا برافو" تبلغ من العمر أربع سنوات عندما اقتحم "الواصم" -كما اشتًهر فيما بعد- المنزل وقتل أفراد أسرتها بوحشية؛ الأب والأم والشقيق، ورسم على وجوههم بالطلاء الأسود. الرواية التي ترجمتها رانيا الرباط وصدرت عن دار العربي تأتي على لسان فيكتوريا التي لسبب لا تعرفه تكون هي الناجية الوحيدة، حيث يتركها القاتل وعليها آثاره الجسدية مع دبها الصغير "أبو" الذي سيلازمها طوال عمرها، تقبض عليه الشرطة لكن يظل سبب الجريمة مجهولا. ثم نقفز للمستقبل عشرين عامًا لنرى ماذا حل بهذه الطفلة الآن؟. الآن فيكتوريا في الرابعة والعشرين شابة وحيدة وخجولة تعاني من كوابيس متكررة وصعوبات في التواصل مع الآخرين والشعور بأي عواطف إنسانية، ملاذها الوحيد هو البقاء في المنزل ومراقبة حياة الآخرين من خلال نوافذ شقتها في ريو دي جانيرو. لا تسمح لأي شخص بالاقتراب منها كما أنها لا تحافظ بكل جهدها لأن تكون الأشياء كما هي. إذ كيف تبدأ علاقة مع شخص ما إذا كانت لا تتحمل اللمس؟ كيف تخبر شخصًا ما عن ماضيها المليء بالرعب؟. إنها باختصار شديد شخصية غير مستقرة، شخصية صبيانية، ترتبط في كثير من النواحي بالعمر الذي حدثت فيه المأساة. طفل في جسد المرأة، يكافح من أجل النمو والبقاء على قيد الحياة. لكن هناك مقربين منها، وهم طبيبها النفسي، وصديق على الإنترنت، وحبيب محتمل، وهم الوحيدون الذين يعرفون قصتها. حتى يعود "الواصم"/ القاتل ليطرق بابها عبر رسائله لها دون أن يكشف عن نفسه، ويثير لديها مخاوفها المتراكمة ويفاجئها في رسائله بالعديد من الإجابات عن الأسئلة التي طالما أرقتها في أثناء سعيها للبحث عن الحقيقة ومعرفة من دمر أسرتها في الماضي ويحاول تدميرها هي شخصيًا في الحاضر. هناك أربع شخصيات في النواة المركزية للرواية يحيطون بطلتها فيكتوريا، هم: أروز الرجل الخجول والمربك الذي يفعل كل شيء من أجلها، وماكسالطبيب النفسي الذكي والغامض الذي كانت تزوره منذ بضع سنوات، والكاتب جورجالزبون الذي يتردد على المقهى الذي تعمل فيه وهو موضع انجذابها، عند لقائها به لأول مرة تقرر ببساطة إلقاء كل شيء في وجهه، الفتاة المليئة بالصدمات الجسدية والنفسية والتي لم تنفتح على صديق أوصديقة منذ كان عمرها أربع سنوات تخبر شخصا غريبابسرها الأكبر، وهو مقتل والديها وشقيقها ووجود قاتل، وأخيرا العمة إيميليا التي تكفلت بتربيتها عقب مقتل الأسرة، جميعهم يلعب دورًا مهما في السرد. الشخصيات الثلاثة الأولى موجودة لتركنا في حيرة من أمرنا بشأن مدى الثقة كل واحد منهم. أي واحد يقول الحقيقة؟ الجميع موضع اشتباه وارتياب وشك، لكن العمة إيميليا تحمل أسرار أحداث الماضي الرهيبة. تشكل مسألة الثقة في هذه الرواية نقطة مركزية. في مرحلة ما، حتى أقرب أفراد الأسرة يخفون أسرارًا مرعبة. علاوة على ذلك، في الأوقات التي يكون فيها الإنترنت هو أصل العلاقات الأكثر تنوعًا، كيف يمكننا أن نصدق أن الناس هم حقًا، كما يبدون أو يقدمون أنفسهم؟. لذا فإن السؤال الذي يوجه الرواية بأكملها لا يحتوي إلا على القليل من الإجابات في نهاية الحبكة: من الذي يجب أن تثق به فيكتوريا؟ إلى أي الرهانات تميل! ليظل التساؤل قائما: من هو القاتل وما هي دوافعه هل هو أحد الشخصيات المحيطة بها، ولماذا تركها على قيد الحياة، ولماذا قرر العودة الآن؟. يذكر أن رافاييل مونتيز كاتب وسيناريست ومحامي برازيلي، يعد واحدا من أهم كتاب أدب الجريمة في البرازيل، بدأ مشواره الأدبي برواية "انتحار" والتي حصلت على عدة جوائز. ثم نشر روايته الثانية "أيام كاملة" والتي حققت نجاحا كبيرا وتم ترجمتها لأكثر من 13 لغة. ثم رواية "امرأة في الظلام" عام 2020، والتي حازت على جائزة Jabuti عام 2020. مقتطف من الرواية استيقظت "فيكتوريا" مذعورة على صوت نباح الكلاب في حديقة الجيران. جلست في الفراش، ونظرت من نافذة غرفة نومها في الطابق الثاني. في الخارج، كان الوقت لا يزال ليلًا. وشجرتها المفضلة تتمايل بسبب شدة الرياح. فتهتز الأوراق الجافة لتسقط بعد أن ترتطم بالنافذة في الحديقة الخلفية. أمام خزانة الملابس، كان ظل كومة ورق تغليف الهدايا يشبه الوحش. أضاءت المصباح وعانقت دمية الدب الأبيض "أبو" أسفل الغطاء. سكنت لبضع ثوانٍ. ثم حدقت بعينيها إلى النجوم التي لصقها والدها في السقف، حتى تتوهج في الظلام. شعرت بالعطش. لكن كسلها كان أكبر من قدرتها على النزول إلى المطبخ. يا له من يوم سبت رائع، لكنه مرهق. فقد أقام والداها حفلة عيد ميلادها على طريقة حفلات الأميرات. فزينت الحديقة بتيجان ذهبية، وبالونات زاهية الألوان. وكانت هناك كعكة ضخمة، وحلوى، ونقانق و"فيشار". تمت دعوة جميع أصدقائها بالمدرسة وجيرانهم بالحي. وارتدت فستان الأميرة. وقدم لها والداها أجمل شريطة شعر (فيونكة) رأتها في حياتها، فضية اللون ومرصعة بالألماس. قضت "فيكتوريا" اليوم بأكمله في الركض والرقص مع أصدقائها، على أغنية "ارقص، ارقص، حرك يدك"، وتلقت الكثير من الهدايا. وشارك الجميع في غناء "عيد ميلاد سعيد". الآن قدماها تؤلمانها بشدة. شراسة نباح الكلاب تزداد. أمر غريب؛ فهي هادئة عادة، على النقيض من قطط "تريسينا". كانت "فيكتوريا" تعشق التدحرج على العشب مع الكلاب، واللعب في الطين. ولحسن الحظ، لم تكن أمها تمانع. هناك صوت آخر. أنين حاد صاخب. يصدر من داخل المنزل. لكنه توقف فجأة. نهضت من الفراش. أخذت نظارتها من فوق المنضدة الجانبية، وسارت متشبثة بـ"أبو" بجواربها الملونة التي أهدتها إليها العمة "إيميليا"، عمة والدها. أدارت مقبض الباب وخطت إلى الخارج، من دون أن تشعل الضوء. كان الصياح يصدر من غرفة نوم والديها، بالقرب من نهاية الردهة. ضوء أصفر يتسلل من أسفل الباب. يضيء درجات السلم الأولى. كانت أمها تنتحب، وأبوها يتحدث بصوت عالٍ على غير عادته، كأنه مضطرب. هل يتشاجران؟ همست "فيكتوريا" لدميتها: - لا تخف يا "أبو". كيف لا يسمع "إيريك" هذا؟ صحيح أن أخاها ينام بعمق. لكن.. كان صوت بكاء أمها يزداد. سمعت "فيكتوريا" صوتًا لم تتعرف عليه. هل يتشاجر "إيريك" معهما أيضًا؟ لا بد أنهما يوبخانه على خروجه من دون إذنهما. كانت "فيكتوريا" تعرف جيدًا أن الكذب أمر سيئ. لكن لا يبدو أن "إيريك" الذي يبلغ من العمر عشرة أعوام قد تعلم ذلك بعد. جذبتها يد من ذراعها، بينما تكتم الأخرى فمها حتى لا تصرخ. ركلت بعشوائية. - اهدئي. إنه أنا. تعرفت على صوت أخيها وتوقفت عن المقاومة. فكرت في توبيخه على إخافتها. لكن شحوب وجهه جعلها تصمت في الحال. فلم تره هكذا من قبل. همس "إيريك"، وهو يجذب أخته إلى داخل غرفته: - هناك شخص بالمنزل. أغلق "إيريك" الباب ببطء وأدار المفتاح. فاحت من الغرفة رائحة علكة، وأقدام متعرقة وبسكويت. عدلت "فيكتوريا" نظارتها لترى بوضوح ما يبحث عنه أخوها خلف الدولاب. وعندما استدار، كان سيف فيلم "حرب النجوم" المضيء الذي تم إهداؤه إليه في عيد ميلاده التاسع بيده. - انزلي أسفل الفراش يا "فيك". أطاعت الصغيرة بسرعة. واستلقت على بطنها. خارج الغرفة، كان الشجار مستمرًّا، والنباح يزداد. ثم سمعا صوت ارتطام عندما تدحرج شيء ثقيل من فوق السلم. ولم يعد باستطاعتها سماع صوت أبيها. وفجأة، ابتعد صوت صراخ أمها. وكأنها نزلت إلى المطبخ، وبدلًا من البكاء، كانت تتوسل طلبًا للمساعدة. أخرجت "فيكتوريا" رأسها من أسفل الفراش. أمرها "إيريك" وهو يحاول إخفاء خوفه، إلا أن ساقيه كانتا ترتجفان: - ابقي هنا. سأتصل بالشرطة. كان التليفون الوحيد بالمنزل بالدور الأرضي، بجوار التليفزيون في غرفة المعيشة. قالت وقد بدأت في التذمر: -لا، لا تذهب. اتجه "إيريك" إلى الباب وفتح القفل ببطء. وبسيفه المضيء في يده، استعد لمواجهة أي من كان بالخارج. من مخبأها أسفل الفراش، حاولت "فيكتوريا" أن ترى ما يمكنها بقدر الإمكان، من نصف الباب المفتوح، السجادة المتسخة، وقدمي أخيها العاريتين، تختفيان في ظلمة الردهة. انتظرت بضع ثوانٍ. لم تستطع سماع شيء، أي شيء آخر. لا صراخ ولا شتائم. لا أثر لوالديها. فقط نباح الكلاب من بعيد. كما لو كان الأمر كله مجرد كابوس. لكن كانت دقات قلبها تتسارع، عندما تتذكر أن كل هذا حقيقي للغاية. عندئذ، أحست أنها قد بللت نفسها. ستوبخها أمها وربما تعاقبها أيضًا، فهي تكره ذلك. ستخبرها أنها كانت خائفة جدًّا، ثم سمعت "فيكتوريا" ضربة عنيفة، وأخرى، أكثر قربًا، شخصًا ما يتدحرج على الأرض. صوت تحطم زجاج. صراخ "إيريك" من الألم. ثم سلسلة من أصوات ارتطام. مثل سقوط أشياء ثقيلة. لم تسمع قَطُّ مشاجرة كهذه. أرادت فعل شيء. لكنها تسمرت في المكان. ظهر "إيريك" في مجال رؤيتها، زاحفًا على الأرض. واجهها للحظة. كان الرعب يطل من عينيه. رفع سبابته المرتعشة إلى شفتيه، لتلتزم الصمت. رأت الدماء على ساقيه وكتمت صرختها. ظهر ظل عند المدخل. أمسك بـ"إيريك" من رقبته وألقى به على الفراش. استلقت على جانبها ولفت ذراعيها حول ركبتيها، و"أبو" مندس في حضنها. مع كل ضربة، كانت صرخات أخيها تضعف، وتتحول إلى حشرجة. تدفق الدم من جانبي الفراش وتساقط على الأرض بالقرب منها. تسسسسسس، من أين تعرف هذا الصوت؟ تسسسس. غزت رائحة نفاذة الغرفة، وشعرت "فيكتوريا" بدوار برأسها. أمسكت أنفها وأغلقت فمها، مثلما تفعل عند القفز في حمام السباحة. لكنها لم تستطع البقاء هكذا مدة طويلة. سعلت بهدوء. توقف المقتحم عن السير. فقد شعر بوجودها. وقبل أن ينحني، تدحرجت من أسفل الفراش، تاركة "أبو" خلفها. وركضت من دون أن تنظر خلفها. فقد كانت تعرف أنه وراءها. صرخت من أعلى السلم: - أبي، أمي! تردد صدى صوتها في الأرجاء حتى تلاشى في اتساع غرفة المعيشة. هبطت "فيكتوريا" السلم. كان المطبخ غارقًا في عتمة شديدة. وفقط ضوء التليفزيون الذي يعرض فيلمًا تم كتم صوته، وهو ما يضيء الغرفة. كانت شرائط الزينة الملونة وكلمات "عيد ميلاد سعيد" لا تزال معلقة على المرآة. وهناك علب حلوى فارغة، وأطباق بلاستيكية مستعملة، ومناديل مستخدمة فوق المنضدة. وعلى الأرض، بالونات تم دهسها، وفتات كعك، والنقانق سقطت في أثناء الحفل. أسرعت لتتخطى الأريكة إلى الباب الجرار الذي يؤدي إلى خلفية المنزل. عندما اقتربت، كان مواربًا. تسده سيقان بيضاء مثل أكياس سكر مبعثرة. تعرفت على ثوب نوم أمها. ركضت نحوها وانحنت يائسة. ورغم تدفق الدماء من صدر أمها، وصعوبة تنفسها، كانت لا تزال حية. لم تكن لدى "فيكتوريا" الشجاعة الكافية للمسها. فقد كان هناك الكثير من الدماء. تفوهت أمها بكلمة: - اهربي. من دون أن تصدر صوتًا. فقد كان حلقها يشبه فمًا مفتوحًا بابتسامة غريبة. فجأة ازدادت إضاءة التليفزيون، فاستطاعت "فيكتوريا" رؤية وجه أمها بوضوح أكثر. كان أسود بالكامل. كما لو كان مغطى بطلاء لزج. ولأنها تحب أمها وأباها وأخاها، كان لا بد من التصرف. تتصل بالشرطة أو.. ركضت نحو حامل التليفون، وصعدت إلى الأرفف حتى وصلت إلى التليفون. وبسرعة، اتصلت بالرقم الوحيد الذي تحفظه عن ظهر قلب ثم انتظرت. وسرعان ما أجاب. - عمتي "إيميليا" ساعديني. تمكنت "فيكتوريا" من قول هذا قبل أن يتم سحبها بعنف إلى الخلف. تحطم التليفون على الأرض. دفع المقتحم جسدها النحيل على الأريكة، ثم صعد فوقها. شل حركة ساقيها وكتم فمها بقفاز يده. حاولت "فيكتوريا" تذكر الأسطر الأولى من "صلاة الرب" التي كانت لا تزال تتعلمها، لكنها لم تستطع. حركت يدها، لكن المقتحم كان أقوى. تطايرت نظارتها. فرأت بشكل غير واضح وجه الرجل. شعره المجعد الذي يصل حتى عينيه السوداوين. رفع يده اليمنى فلمع سكين ضخم يقطر دمًا في الضوء. أغلقت "فيكتوريا" عينيها عندما أصابتها الضربة الأولى. وسرعان ما انتشر ألم حارق في جميع عضلاتها حيث مزق السكين ساقها المنفرجة. ثم ضربة أخرى. كانت طاقتها تتلاشى. لم يكن هناك معنى للمقاومة. فجأة. توقفت الضربات. ألقى المقتحم السكين جانبًا، والتقط شيئًا من حزام عدته. هزه ثم صوبه نحوها. جمعت الفتاة الصغيرة كل قوتها وصرخت عاليًا بقدر ما استطاعت، لكن بعد فوات الأوان. فقد هاجمتها الرائحة السيئة مرة أخرى، احترقت عيناها وشعرت بمرارة في حلقها. تسسسسسس. في الساعات الأولى من عيد ميلادها الرابع. كانت "فيكتوريا" تغرق في الظلام.

مشاركة :