يحمل البعض على النفس؛ حتى كادوا أن يجعلوا همّهم أن يهزموها، فهي -في نظرهم- الباعثة على شرور، أهونها صرف المؤمن عن السير في الطريق إلى الله، فهي الباعثة على الهوى الذي يضل في سبيل الله، أليس ربنا يقول: (وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، ويقول بشر الحافي -رحمه الله- (البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إيّاه)، لذا تجدهم يجاهدون في مخالفة النفس التي تقود إليه، والتي وصفها ربنا بأوصاف ثلاثة أولها: أنها تأمر بالسوء حيث قال: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، لذا جاء الأمر بأن ننهي النفس عن الهوى، فالله عز وجل يقول: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى* فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)، وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ)، ولهذا قال الحكماء: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد، ومن النفس بترك الشهوات، ومن الشيطان بألاّ تصغي إلى وسوسته، ولا يرون النفس مطمئنة كما قال ربنا عز وجل: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً)، إلاّ بعد أن تهزم، ولم يصغِ الإنسان لوسوستها، وهي لوّامة ملومة؛ لأنها جاهلة ظالمة، يلومها الله، قال الحسن البصري: (إن المؤمن لا تراه إلاّ يلوم نفسه دائمًا بقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى)، فهي لا تثبت على حالة واحدة كثيرة التقلّب والتلوّن، وقل أن تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله، ولهذا كان الحذر منها عند العباد عظيمًا، يجاهدونها حتى لا تصرفهم عن الطريق الذي يسيرون فيه إلى ربهم، ويكفي أن اتّباع الهوى لا يكون إلاّ من قِبلها، وهو عظيم الخطر على المؤمن، فما أقبحه، وما أشد ما يفتك بصاحبه، حتى يصده عن الحق، وهو يورث الكبر الصاد عن قبول الحق، ومَن يبتلون به هم أشد الناس في محاولات إضلال الخلق عن سبيل الله، فربنا عز وجل يقول: (وَإنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)، ويقول عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ)، والمهلكات ثلاث هي: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وكلها من آثار النفس الأمّارة بالسوء، ولا ينجو من ذلك إلاّ من جاهد النفس حتى تكون له أطوع من بنانه، لا تقوده إلى هوى مضلل مهلك، فترتقي روحه، ويمتلئ قلبه بحب ربه، يأنس بذكره، ويبذل جهده في طاعته، ليأمن في الدارين الدنيا والآخرة، ويسعد فيهما، فهل نحن فاعلون؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com
مشاركة :