حينما جاء الأمر بالترويح عن النفس ساعة، فإنما أراد المشرع ألا تكون حياة الإنسان في حالة واحدة لا تتغير، ذلك أن الروح والجسد معاً إذا ظلا على حالة واحدة لا تتغير فإنها تمل هذه الحالة وتبحث عن التغيير، كأن هذا فطرة في الإنسان، فالبقاء على حالة واحدة جمود، والحياة نقيضها الجمود، فالجمود للجماد لا للأحياء، والجمود الأشياء معه تذوب حتى لا يبقى معها شيء أصلاً، ومع الحركة حياة الناس تتطور. فليس من المعقول أن يطالب الناس أن يكونوا جادين أبدا، كما أن يكون الناس هازلين كل وقتهم فيدخلون منطقة المستحيلات، والإنسان خلق وله القدرة على الفرح والسرور، كما خلق وله القدرة على أن يحزن إن مر بحياته شيء موجب لحزنه. وهو كما أنه حيوان ناطق، له الحيوية أن يضحك حتى تمتلئ رئتيه هواءً وينشط جسده، وله الحيوية أيضاً أن يكون عابساً حتى تراه وكأن خطوط وجهه قد جمدت على حالة واحدة وكأنه خلق بها ولن تزول عنه. إذن فالإنسان ليحيا لا بد ألا يجبر على البقاء على حالة واحدة لا يتغير، خاصة إذا كان تغير أحواله فطرة فيه، وهذا ما رعاه الإسلام فيه فطالبه المشرع أن يروح عن نفسه ساعة بعد ساعة، فالديمومة على الجد الدائم أمر مستحيل، ولكنه وهو يروح عن نفسه لا يخدع فيصبح الترويح هو الغاية الوحيدة، وإنما هي الحالة التي تجدد له نشاطه، لذا كانت ساعة بعد ساعة لا بصفة دائمة. وكما أن الحياة الجادة ليست هي الحالة الدائمة أو لا يجب أن تكون وإلا لما اخترع البشر العطلات، ليستريح الجسد والروح أيضاً، وليعود الإنسان إلى العمل أكثر نشاطاً. وكل من لا يرى أن من حق البشر كل البشر أن يروحوا عن أنفسهم ساعة بعد ساعة، لتتوفر لهم القوة على العمل بجد من أجل الدين والدنيا معاً، فهو لا قدرة لديه لفهم حياة الإنسان. ومن يرى أن الدين يعني أن يكون مظهرك عابساً، لا تضحك لنكتة تسمعها أو مزحة بريئة، وألا تخلد بعض الوقت للراحة لتمارس بعدها عملاً دينياً أو دنيوياً، فالإسلام دين يجمع في منهجه الدنيا والدين، ولا يستقل أحدهما عن الآخر، والمزاح جزء أصيل من الترويح عن النفس، والذي لا يمزح أبداً يحس الناس أنه غريب عنهم، ويكفي أن نتذكر أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً. ومما كان يمزح به سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول لخادمه أنس رضي الله عنه: (يا ذا الأذنين). وأنه أتى إليه رجل عند تهيوئه لغزوة فقال: يا رسول الله احملني، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إنا حاملوك على ولد ناقة) فقال الرجل: وما أصنع بولد الناقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تلد الإبل إلا النوق). وكان صلى الله عليه وسلم – أحسن الناس خلقاً كما يقول سيدنا أنس رضي الله عنه، وكان لي أخ يقال له: أبوعمير وكان إذا جاء النبي قال: (يا أبا عمير ما فعل النفير) والنفير طائر صغير كان يلعب به أبوعمير (الصغير). هكذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الصحابة وأطفالهم ويتبسم في وجوههم فأحبوه وأحبهم حتى قال له ربه (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين). وكان يتيح لزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن ترى الأحباش وهم يلعبون بالرماح في المسجد، ويسمح لجاريتين صغيرتين أن يضربن بالدف عنده، ويقول فيما روت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة وإني أرسلت بحنيفية سمحة). فالمسلمون لهم أن يفرحوا بأعيادهم وأن يتمازحوا ويداعبوا أطفالهم ونساءهم، فالحياة لا تكون جداً كلها وإلا لأصاب الخلق الاكتئاب الذي هو مرض عسير الشفاء. فليرحم بعضنا بعضاً، وأن يترك للخلق فسحة في حياتهم ينشدون ويغنون في أفراحهم وأعيادهم، ولنكف عن الغلظة في أمر بمعروف ونهي عن منكر، فما أمرنا الله بها ونهانا عنها. فهل ندرك هذا؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :