جاء الإسلام ليعالج مشكلات الإنسان كلها؛ ولهذا فإن جانب الأخلاق فيه جاء على صورة أحكام ملزمة، لم يُترك للإنساAن أن يختار منها ما يشاء، ويترك منها ما يشاء، هي قيم هذا الدين الحنيف، لا يستقيم أمر إسلام المرء إلاّ بها. فالأمانة والصدق والوفاء بالعهد والوعد، وعدم الغدر، والسماحة والكرم، كل هذا وغيره من مفردات الأخلاق واجب على المسلم أن يتحلّى بها لتنعكس على سلوكه، وهو يُثاب إذا امتثل هذا، ويُعاقب إن جاء بضدها. والإنسان السوي الخالي من أمراض النفوس، يعيش بين الناس مطمئنًا، قادرًا على التعامل معهم بما لا يسيء إليهم، يسمع منهم ويحاورهم، وليس لديه أحكام مسبقة عليهم، وإذا رأى فيهم انحرافًا حاول جهده أن يردّهم إلى الطريق السوي دون المساس بشخوصهم، أو توجيه التهم لهم؛ لأن غايته أن يهديهم، لا أن يشنّع عليهم. لهذا رأى العلماء ألا تشتمل النصيحة على التعيير؛ حتى ألّف في هذا الباب الإمام ابن رجب الحنبلي رسالته المشهورة المسمّاة (الفرق بين النصيحة والتعيير). فذكر الإنسان بما يكره من العيوب التي فيه، على هيئة إظهار عيوبه ليسقط في أعين الناس فهو الغيبة المحرمة بالكتاب والسنّة، وذات الأثر القبيح في المجتمع، وهذا تعيير للإنسان بعيوبه خرج عن النصيحة الواجبة؛ لذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة امرئ مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته). وأشد من ذلك حرمة أن تذكر مسلمًا بما ليس فيه، وذلك هو البهتان الذي حذّر منه ربنا فقال: (ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرمِ به بريئًا فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا). وذكر معايب الناس على الذم لهم ينتشر في عصرنا انتشار النار في الهشيم، حتى كاد العاقل أن يظن ألا أحد يسلم منه، فالغيبة والنميمة، والبهتان كلُّ ذلك من أمراض النفوس التي لا يصلحها إلاّ الامتثال لأمر الله عز وجل ونهيه، والالتزام بأخلاق الإسلام الواجبة. ومن أمراض النفوس الرغبة الشديدة في الانتقام الذي يلجأ إليه الموتورون ممّن وترهم أو ظلمهم، فالله عز وجل شرع في دينه العقوبات، وجعل أمر إنفاذها للحاكم العالِم بشرع الله، ولم يترك لآحاد الناس أن يعاقبوا مَن ظلمهم، أو ظنوا أنه ظلمهم بأيديهم. حينئذٍ يتحقق العدل، الذي وصفه كتاب الله فقال: (وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها)لا يزد عليها وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، ولكنه مع ذلك دعا إلى ما هو أفضل فقال عز وجل (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين)، والرغبة في الانتقام إذا تحكّمت في النفوس جعلت من المظلوم ظالمًا، وتعدى على من ظلمه وغيره، لإحساسه أنه حين ظُلم لم يسارع الناس لنصرته، فضمهم إلى ظالميه، وهذا ما نراه في أثر الثورات التي لا تتضمنها قيادة ومبادئ ثابتة تحرسها من الانحراف. وقد رأينا في عصرنا من رغب في السلطة، وعمل للوصول إليها سرًّا وعلنًا زمنًا طويلاً، وإن كان لا يصلح لها، وليس لديه الكفاءة بالقيام بمتطلباتها، فلمّا قامت ثورة من النوع الذي ذكرنا ركبها ليصل إلى السلطة، فلمّا حِيل بينه وبينها عاد جبارًا ينتقم من الجميع، فأفسد حياته، وحياة الآخرين. وقد كان علماء الأمة الأبرار، ومنهم الأئمة الأربعة المشهورون أصحاب المذاهب، كانوا يجبرون على تولي المناصب فيرفضون، حتى يُضربوا، ويظلون على رفضهم لها اتقاء الظلم، وليبقوا بين الناس حكامًا بالعدل حينما ينحرف أصحاب السلطة، ولم نرَ عالمًا يسعى إلى المناصب إلاّ في العصور المتأخرة. ثبّتني الله وإيّاكم على دينه، وجعلنا ممّن يعرفون الحق ويتّبعونه، ويعرفون الباطل ويجتنبونه، إنه السمع المجيب. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :