عقب الأزمة الأوكرانية، ارتفع عدد مصدري السندات السيادية في الأسواق الواعدة الذين تتداول سنداتهم بأسعار بخسة ـ أي أن الفروق كانت أعلى من ألف نقطة أساس ـ إلى ما يزيد على 20 في المائة من المصدرين، متجاوزا بذلك مستويات ذروة الجائحة. وفي حين كان هذا الأمر مثيرا للقلق، كان تأثيره محدودا في المخاوف النظامية، نظرا لأن أولئك المصدرين يسهمون بنسبة منخفضة نسبيا من مجموع الديون القائمة حتى هذا التاريخ. في الصين، أدت موجة بيع الأسهم أخيرا، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، مقترنة بالضغوط الجارية في قطاع العقارات وتجديد إجراءات الإغلاق العام، إلى زيادة بواعث القلق من تباطؤ النمو، مع احتمال انتقال التداعيات إلى الأسواق الصاعدة. وازدادت المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي وسط الضغوط الجارية في قطاع العقارات المتضرر من الأزمة. وقد تنشأ الحاجة إلى تدابير دعم مالي غير عادي لتخفيف الضغوط على الميزانيات العمومية، لكنها ستضيف إلى مواطن التعرض لمخاطر الديون مستقبلا. ينبغي أن تتخذ البنوك المركزية إجراء حاسما في الأجل القصير لمنع ترسخ التضخم وإبقاء توقعات ارتفاع الأسعار مستقبلا قيد السيطرة. وقد يلزم ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات التسعير الحالية في الأسواق لإعادة التضخم إلى مستواه المستهدف في الوقت المناسب. وقد يتطلب ذلك دفع أسعار الفائدة إلى مستوى أعلى بكثير من مستواها المحايد. وفي حالة البنوك المركزية للاقتصادات المتقدمة، يشكل التواصل الواضح أهمية حيوية لتجنب تقلب الأسواق المالية دونما داع، من خلال تقديم إرشادات واضحة حول عملية التشديد مع مواصلة الاعتماد على البيانات. وقام كثير من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة بتشديد السياسة إلى حد كبير بالفعل. وينبغي أن تواصل العمل في هذا الاتجاه ـ حسب ظروف كل منها على حدة ـ لتحافظ على مصداقيتها في مكافحة التضخم وتثبيت التوقعات التضخمية. وينبغي لصناع السياسات تشييد مجموعة مختارة من أدوات السلامة الاحترازية الكلية لمعالجة جيوب الضعف الكبيرة ـ مثلا بالتحرك ضد تيار ارتفاع أسعار المساكن ـ، مع تجنب تضييق الأوضاع المالية على نطاق واسع. ومن المهم هنا تحقيق التوازن الصحيح، نظرا لأجواء عدم اليقين المحيطة بالآفاق الاقتصادية، والعملية الجارية لعودة السياسة النقدية العادية، ومحدودية الحيز المالي بعد الجائحة. وسيواجه صناع السياسات كذلك قضايا هيكلية، مثل التشتت في أسواق رأس المال، ما ستكون له انعكاسات على دور الدولار. وتواجه نظم الدفع مخاطر مشابهة بينما تسعى البنوك المركزية إلى إصدار عملاتها الرقمية المستقلة عن الشبكات الدولية الموجودة. وستواجه الأجهزة التنظيمية كذلك ضغوطا لتضييق الفجوات التنظيمية من أجل ضمان النزاهة وحماية المستهلكين في عالم الأصول المشفرة سريع التطور. وفي الوقت نفسه، كشف النقاب عن المفاضلات بين أمن موارد الطاقة (كفاية التوريدات بتكلفة معقولة) والمناخ (الآليات التنظيمية التي تهدف إلى رفع أسعار النفط والغاز) مع تداعي آثار العقوبات الدولية على روسيا في الإمدادات والأسعار عبر أوروبا وما وراءها. وقد تحدث بعض الانتكاسات في التحول المناخي في المستقبل القريب، ولكن زخم تخفيف الاعتماد على روسيا في الحصول على الطاقة يمكن أن يصبح حافزا للتغيير. ومن ثم، ينبغي لصناع السياسات أن يسعوا للوفاء بالالتزامات التي قطعوها لمعالجة المخاوف بشأن أمن الطاقة.
مشاركة :