انتهى زمن الهيمنة الأمريكية! ذلك ما جاء في افتتاحية لاذعة تتهم من خلالها الصحافة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني الولايات المتحدة باستغلال الحرب لإنقاذ نظام دولي لم يعد قائمًا في واشنطن. في الآونة الأخيرة، قام مسؤولون حكوميون أمريكيون بزيارة رسمية إلى العاصمة البلجيكية وذلك لنشر فيروسهم السياسي المعتاد والمتمثل في استغلال وتوظيف الأزمة الأوكرانية الراهنة لمهاجمة الصين وتشويه سمعتها. انتهزوا فرصة القمة التي عقدت مع الاتحاد الأوروبي لانتقاد السياسة الداخلية للصين بشأن وضع حقوق الإنسان وممارساتها التجارية. وكعادتها دائما لا تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية عن صب الزيت على النار وهي التي فعلت كل ما في وسعها حتى تعرقل محادثات السلام وتطيل أمد الصراع الروسي الأوكراني. من خلال الانخراط في هذه الدبلوماسية القسرية، لا يتردد الأمريكيون في نشر الشائعات حول الصين، والصيد في المياه العكرة لهذا الصراع لتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي حددوه لأنفسهم: الحد من نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وعلى الصعيد العالمي. وبينما يعمل البعض من أجل السلام والاستقرار على الأرض، فإن البعض الآخر، الذين يتمسكون بعقلية الحرب الباردة، يعرضون كل شيء للخطر وينسفون كل الجهود. إذا كان بعض السياسيين الأمريكيين يحبون التحدث عن «نظام دولي قائم على القواعد»، فإنهم يقدمون أنفسهم على أنهم مدافعون عنه. ومع ذلك، فإن ما يسمونه «قواعد» هو في الواقع فقط تلك التي تربط أفراد عشيرتهم معًا، من أجل مصلحتهم قبل أي شيء آخر. إن «نظامهم الدولي» لا يعني سوى «الدائرة الصغيرة» ومجموعتهم السياسية الضيقة لأن ما يسعون للدفاع عنه هو هيمنتهم، متجاهلين تطور العالم وواقع العلاقات الدولية. يجب على الولايات المتحدة أن تفهم أن صعود وتنامي قوة الصين هو اتجاه تاريخي لا مفر منه. سيكون من الأفضل لهؤلاء السياسيين أن يفكروا في كيفية التعايش مع الصين التي لا تخشى تحمل مسؤوليات قوتها العظمى بثقة أكبر. يجب على الولايات المتحدة أن تفهم أن تلك الأيام التي كانت فيها حفنة من الدول تتلاعب بالشؤون العالمية قد ولت وانتهت. يجب أن يفهموا أن الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ هو العمل من أجل الدفاع عن نظام دولي يتمحور حول الأمم المتحدة، على أساس ميثاقها والقانون الدولي. إذا كانت هناك دولة واحدة لا تتردد في تعريض النظام الدولي للخطر وتدوس على قواعده، فهي الولايات المتحدة. ألم يقصفوا يوغوسلافيا وغزوا العراق وسوريا من دون موافقة مجلس الأمن الدولي؟ لقد صموا آذانهم عن مخاوف روسيا الأمنية، واستخدموا حلف الناتو من أجل تصعيد حدة التوترات الإقليمية. بعد اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ومن دون مراعاة صعوبات تعافي الاقتصاد العالمي أو مصير السكان، قاموا فقط بفرض العقوبات من جانب واحد. كيف يمكننا أن نصدق أن الولايات المتحدة تعمل لصالح نظام دولي قائم على مبادىء ومواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي؟ ليس لدى المسؤولين الأمريكيين سوى القواعد والنظام في أفواههم، لكنهم يسعون إلى فرض هيمنتهم. يختلق السياسيون الأمريكيون الأكاذيب والافتراءات حول أوضاع حقوق الإنسان في الصين، لكنهم يظلون متجاهلين المآسي التي تسببها بلادهم في هذا المجال، وهم يبرهنون بكل وضوح على هذا النفاق في توظيف ملف حقوق الإنسان لأغراض سياسية. ألا يتسم تاريخ الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين ومجتمعهم من خلال التمييز العنصري المنهجي المستمر؟! لقد تسبب التراخي الذي حاربوا به جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في وفاة ما يقرب من مليون شخص. لدى الولايات المتحدة عادة التدخل الصارخ في الشؤون الداخلية لدول ثالثة وهي لا تتردد في شن الحروب باسم «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان». في يوم 3 مارس، سمح الأمريكيون بدخول 12 لاجئًا أوكرانيًا فقط إلى أراضيهم، على الرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أصلا سبب الأزمة مع روسيا، تاركين آلاف اللاجئين الآخرين من هذا البلد عالقين على حدودهم مع المكسيك. أليست الولايات المتحدة الدولة الأقل ميلًا في العالم لاحترام حقوق الإنسان؟! وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، تمكن أكثر من 20 ألف أوكراني من الدخول بشكل قانوني عبر المكسيك، لكن هذا الطريق لم يعد قيد الاستخدام، حيث إن مائتي لاجىء أوكراني آخرين ينتظرون في المكسيك. من الذي يقدم الفرص لأوروبا ومن يهدد أمنها وازدهارها؟ في عام 2020، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، مثلما أصبح الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للصين في يناير وفبراير 2022. على عكس روح التعاون الصيني الأوروبي، تستخدم الولايات المتحدة الأزمة الأوكرانية لاحتجاز أوروبا كرهينة. إنهم يتظاهرون بأنهم لا يرون أن أكثر من 5 ملايين لاجئ أوكراني قد تدفقوا إلى أوروبا، ويحثونها على تشديد العقوبات ضد روسيا، ما أدى إلى ارتفاع التضخم السنوي في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ نسبة 7.4% في مارس. في الوقت نفسه، نشهد ارتفاعًا هائلاً في أسعار أسهم شركات الأسلحة الأمريكية العملاقة، بينما يتم الآن استثمار جزء كبير من الاستثمارات الأوروبية في الملاذات الآمنة في الولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لبيع كميات أكبر من الغاز الأمريكي للأوروبيين بسعر مرتفع. إن الصين وأوروبا قوتان عظميان ملتزمتان بالحفاظ على السلام في العالم، كما أنهما يمثلان سوقين كبيرتين يساعدان على التنمية المشتركة، وحضارتين عظيمتين تدفعهما الرغبة في النهوض بالإنسانية. إن استقرار العلاقات بينهما يساهم في التخفيف من حالة عدم اليقين والغموض التي تكتنف الوضع الدولي الراهن. يساهم تعاونهم بروح الانفتاح في مواجهة التحديات الخاصة بعصر العولمة. من خلال تزوير حكاية «التهديد الصيني» من الصفر، من خلال تنظيم منافسة معادية للصين ، من خلال الدعوة إلى تصنيفها على أنها «دولة منافسة منهجية» [المصطلح الذي استخدمه الاتحاد الأوروبي في عام 2019] ، فإن الولايات المتحدة إنما تظهر بما لا يدع أي مجل للشك أنها تنزع إلى الهيمنة. إن تطور العلاقات المستقرة بين الصين وأوروبا أمر لا يطاق بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. يجب أن تتبنى أوروبا، القوة الرئيسية لعالم متعدد الأقطاب، نهجًا أكثر استقلالية وموضوعية وعقلانية تجاه الصين في أقرب وقت ممكن، وأن تحصل على الاستقلال الاستراتيجي. إن الافتراء على بلد ما قد يجعله يبتعد عن أهدافه ويفوت فرصة الاستجابة لتحدياته وكذلك تحديات عصره. يجب على بعض السياسيين الأمريكيين الغوص في ضمائرهم، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة وردود الفعل العشائرية، والتركيز بدلاً من ذلك على العمل من أجل التنمية والسلام والاستقرار في العالم. كورييه إنترناسيونال
مشاركة :