«انحياز متعدد» في مواجهة الهيمنة الصينيّة

  • 9/28/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

لا تجري الرياح على ما يشتهي رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي. ولم تنعقد ثمار مشروعه الكبير، «الجيران أولاً»، الذي أطلقه حين دعوة قادة جنوب شرقي آسيا، الى حفل تسلّمه منصبه. وطوال أشهر تلت إقرار دستور جديد في النيبال في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، عمّ التوتر العلاقات الهندية – النيبالية. وبلغ التوتر بين الهند وباكستان أوجه، إثر الهجوم على قاعدة عسكرية في كاشمير في 18 أيلول (سبتمبر) الجاري. وسقط في الهجوم 18 جندياً هندياً. وكان مودي رحب بباكستان، لكن إسلام آباد لم تبادله بالمثل. ومدّ رئيس الوزراء الهندي اليد الى الصين. لكن نتائج خطوته هذه لم تنعقد. وكأن الرئيس الصيني، شي جينبيغ، أوجز الحال على أمثل وجه حين ألقى عند وصوله الى الهند بيت الشعر القديم:» السفر ألف فرسخ (وحدة قياس) يبدأ بخطوة واحدة». وبعد عامين على الزيارة، يبدو أن المسافات كبيرة بين البلدين، والتقارب بينهما اثر بعد عين. والاشتباكات الحدودية لم تتوقف، وبكين تعوق انضمام نيودلهي الى مجموعة المزودين النوويين، من جهة، وتتقرب من إسلام آباد من جهة أخرى. وباكستان تمنح الصين ما لا يسع الهند تقديمه: الوصول المباشر الى المحيط الهندي ونفط دول الخليج عبر مرفأ غوادار، إثر شق ممر يصل بين المناطق هذه كلفته 46 بليون دولار. لذا، تسعى نيودلهي الى التقارب مع دول أبعد من جوارها المباشر. فدول جنوب شرقي آسيا تنظر بعين القلق الى الهيمنة الصينية. والدول هذه تتقرّب من الهند منذ التحاقها بمجموعة دول «آسيان» في بداية التسعينات. وفي مطلع الشهر الجاري، زار مودي فيتنام - وهذه الزيارة الأولى لمسؤول هندي منذ 15 عاماً - ومنحها قرضاً قيمته 500 مليون دولار لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين. وحسمت دلهي تردداً دام نحو عشر سنوات، وأبرمت في نهاية آب (أغسطس) الماضي مع الولايات المتحدة، اتفاقاً دفاعياً مشتركاً يشرع أمام البلدين أبواب القواعد العسكرية الأميركية والهندية في منطقة تمتد من جيبوتي الى دييغو غارسيا (في المحيط الهندي). ولم تعد الهند تترد في جبه طموحات الصين في آسيا، وتغرد، اليوم، خارج سرب إرث عدم الانحياز الذي خلفه نهرو. وصارت عقيدة عدم الانحياز بائتة، وهي من بنات الماضي. ومودي هو أول مسؤول هندي لا يشارك في قمة دول عدم الانحياز في فنزويلا في منتصف الشهر الجاري. والهند تترك حركة عدم الانحياز وتنضمّ الى حركة «الانحياز المتعدد» أو «تعدد الانحياز». فرئيس الوزراء نارندرا مودي بالغ النشاط في الساحة الدولية، وفي منطقة المحيط الهندي تحديداً. «والهند هي ملتقى طرق المحيط الهندي»، أعلن مودي في جزر موريشــيوس في 2015، وقال أن المنطقة هذه تتصدّر أولويات الديبلوماسية الهندية. وفي مطلع الشــهر الجاري، نظمت منظمة «ذي إينديا فوندايشن» المقربة من القوميين الهندوس في السلطة، مؤتمراً تناول شؤون المحيط الهندي أمام ضيوف من فيتنام وتايلندا وبنغلادش. ودار الكلام على «حرية الملاحة البحرية والجوية»، و «احترام القانون الدولي». وهذه المسائل تشير الى حكم محكمة لاهاي الذي خلص في تموز (يوليو) المنصرم، الى أن بكين انتهكت قانون البحار الدولي حين مسّت بـ«الحقوق السيادية» للفيليبين على أراضيها. وطوال عقود، كان شاغل الهند حدودها البرية، كأنها نسيت البحار الواسعة التي تلتفّ عليها وتحيط بها. وهي مركز منطقة محيطية هي موئل خمس المساحة البحرية في المعمورة، وسواحلها تمتد على طول 70 ألف كلم. لكن الهند لن تبادر الى إنشاء جزر صناعية شأن الصين أو توسع نفوذها الى مناطق بحرية واسعة. وفي سبيل استمالة الدول هذه الى مشروعها، تتوسل دلهي بالإرث الثقافي المشترك معها وتخرج صورة المحيط الهندي على صورة محيط الفرص. فهو يشرف على أكثر الاقتصادات دينامية على وجه المعمورة قاطبة، من الساحل الشرقي الأفريقي الى دول جنوب شرقي آسيا مروراً بالهند وبنغلادش. وهو محيط ثري بالموارد الطبيعية ومركز 40 في المئة من حفريات النفط ما وراء البحار، وملتقى استراتيجي، فهو معبر نصف حركة المرور البحرية العالمية. لكن دلهي تلتزم الحذر ولا تقدم المحيط الهندي على أنه محيط خاص بها، بل تقول أنه ثمرة مشروع يولد من تعاون المشاركين كلّهم. وهذا المفهوم هو نقيض مشروع الصين.     * مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 23/9/2016، إعداد منال نحاس

مشاركة :