أعلنت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن مساء السبت أن حكومتها نجحت في "سداد الديون الداخلية والخارجية للبلاد"، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة "الإصلاحات العميقة". ويأتي إعلان بون في وقت تواجه تونس أزمة اقتصادية حادة وارتفاعا في نسبة التضخم، حيث بلغ العجز التجاري للبلاد 4.3 مليار دينار (1.44 مليار دولار) في الربع الأول من 2022، مقابل 3 مليارات في نفس الفترة من 2021. وقالت نجلاء بودن في كلمة ألقتها خلال فعالية نظمتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالعاصمة تونس مساء السبت، بمناسبة الاحتفال بعيد العمال العالمي، الموافق للأول من مايو من كل عام، إن حكومتها رغم التحديات والتراكمات حرصت على تركيز كل جهودها من أجل تحمل مسؤولياتها للخروج بتونس من أزمتها، والإيفاء بالالتزامات التي تعهدت بها. وأضافت "لا نبالغ حين نقول إننا قد نجحنا في سداد الديون الداخلية والخارجية (لم تحدد قيمتها)، وفي صرف الرواتب في آجالها"، دون توضيح طبيعة الديون المسددة إن كانت أقساط الديون المستحقة أم كاملها. وبلغ إجمالي الدين العام التونسي في 2010 حوالي 16 مليار دولار، أو ما يعادل 55 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى 20.6 مليار دولار في 2017، ثم 29 مليارا بنهاية 2020. وتابعت بودن "كما نجحنا في تأمين الحاجيات الضرورية من المواد الغذائية الأساسية، في نفس الوقت الذي واجهنا فيه التهريب عبر الحدود والمضاربة غير المشروعة". وأوضحت "نجحنا في تأمين الحد الأدنى من الإعانات الاجتماعية، وفي توفير احتياطي مقبول من العملة الأجنبية". وأشارت رئيسة الحكومة إلى أن "المرحلة القادمة ستكون مرحلة الإصلاحات العميقة". وتعليقا على ما أعلنته بودن، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي إن "تونس حاليا تقوم بسداد دفعات من ديونها الداخلية والخارجية، فيما هناك ديون أخرى ما زال توقيت سدادها لم يحن". وأضاف "بودن تتكلم عن نجاح في سداد الديون، لكن تونس منذ الاستقلال (1956) إلى اليوم لم تتأخر في سداد ديونها، فهذا أمر عادي ولا يمكن اعتباره نجاحا خارقا". ولفت إلى أن "تونس حاليا ليست في مرحلة خطر عدم سداد ديونها، لأن هناك مدخرات كافية من العملة الصعبة في خزينة البنك المركزي تسمح لنا بسداد ديوننا هذا العام". واستدرك "لكن خلال السنوات المقبلة قد تشهد عجزا في سداد الديون أمام تراجع ملحوظ في مدخرات العملة الصعبة، لأن البلد متوقف اقتصاديا". وبلغ العجز في الموازنة العامة التونسية حوالي 7 مليارات دولار، و8.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في 2021. كما تواجه المالية العامة عبئا آخر، إذ عليها توفير حوالي 15.5 مليار دينار (5.6 مليار دولار) لخدمة الدين، منها 10 مليارات دينار (3.6 مليار دولار) بالنقد الأجنبي. واعتمدت موازنة الدولة لسنة 2022 فرضية سعر 75 دولارا للبرميل الواحد، غير أن أسعار النفط ارتفعت بشكل كبير ليصل سعر البرميل الواحد إلى أكثر من 100 دولار، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الضغط على الموازنة العامة للبلاد، التي تستورد أكثر من 50 في المئة من حاجياتها النفطية، وتدعم أسعار المحروقات في السوق المحلي. إلى ذلك، كشفت رئيسة الحكومة التونسية أن التخفيضات المتواترة للترقيم السيادي حالت دون تعبئة التمويلات الخارجية بالقدر المطلوب. كما نفت رئيسة الحكومة التونسية وجود أي نية للدولة في التفويت في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، مؤكدة أن هذه المؤسسات ستحظى ببرامج إعادة هيكلة انطلاقا من عمليات تدقيق. وبينت بودن أن الدولة ستتحمل مسؤوليتها في الدور التعديلي من خلال إرساء إطار تشريعي وترتيبي ناجح. وقالت بودن خلال الاحتفال بالعيد العالمي للعمال، إن هناك قائمة سيتم ضبطها للمؤسسات الناشطة في القطاعات الاستراتيجية، إلى جانب إرساء أسس حوكمة جديدة للمؤسسات العمومية ترتكز على الشفافية. وكانت وكالة موديز قد خفّضت التّرقيم السيادي لتونس من "بي 3" إلى "سي.أ.أ" مع آفاق سلبية. كما راجعت "موديز" ترقيم البنك المركزي التونسي، نحو الانخفاض من "بي 3" إلى "سي.أ.أ 1" مع المحافظة على آفاق سلبية. ويعاني اقتصاد تونس من صعوبات هيكلية زادت حدتها في الأشهر الأخيرة، منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد عن تجميد أشغال البرلمان وإقالة الحكومة في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، بينما كانت البلاد تقترب من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار، من أجل توفير موارد للموازنة والقيام بإصلاحات اقتصادية. وتسعى تونس، التي تعاني أسوأ أزمة مالية، للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات يصفها خبراء اقتصاد بـ"المؤلمة"، لضبط الاختلالات المالية المزمنة، رغم أن ثمة من يعارض السير في هذا الاتجاه. وتشمل الإصلاحات المقترحة على صندوق النقد الدولي زيادة أسعار الوقود والكهرباء وتجميد رواتب القطاع العام، وهي خطوات رفضها بشدة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي هدد بالإضراب العام.
مشاركة :