كشف مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» في دراسة حديثة تناقضات وإشكاليات خطة بريطانيا تجاه طالبي اللجوء، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، حيث وقعت الحكومة البريطانية في أبريل 2022 اتفاقاً مع رواندا تقوم بموجبه بريطانيا بترحيل طالبي اللجوء على أراضيها منذ مطلع العام الجاري إلى رواندا، وفقاً لاتفاق مالي تبلغ قيمته مبدئياً 120 مليون جنيه إسترليني، وكجزء من خطة أوسع للتعامل مع ملف طالبي اللجوء في البلاد. وبينت الدراسة التي أعدتها الدكتورة خديجة عرفة، مديرة إدارة القضايا الاستراتيجية في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، أن الصفقة البريطانية القائمة على «المال نظير البشر»، و«التنصل من الالتزامات الدولية مقابل إعلاء المصلحة الوطنية»، تُثير مخاوف بشأن السياسات المستقبلية تجاه القضايا الإنسانية، إذ إن نجاح تلك السياسة قد يُشكل دافعاً للعديد من الدول لاتباع النهج البريطاني. أما بشأن قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن التزام الدول طواعية بالعمل على تنفيذ بنوده لا يعني بالضرورة احترام تلك القواعد، خاصة أن تدفقات طالبي اللجوء لم تعد مرتبطة بالأزمات السياسية فحسب، فمع تزايد الأزمات الاقتصادية عالمياً، من المتوقع أن تزداد تحركات البشر بحثاً عن فرص عيش أفضل، والأمر ذاته فيما يخص اللاجئين البيئيين كنتيجة للتغيرات المناخية الحادة. غياب المعايير الدولية وأشارت الدراسة، التي جاءت بعنوان: «خطة بريطانية جديدة تجاه طالبي اللجوء.. تناقضات متزايدة وإشكاليات إنسانية»، إلى أن الخطة البريطانية الجديدة قد تُشكل سابقة ونموذجاً يدفع دولاً أخرى لتبني النهج نفسه في تصدير مشكلات اللاجئين إلى دول أكثر فقراً مقابل المال، خاصة في ظل التزايد المتوقع في أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء وأنماطهم في المستقبل المنظور، ما من شأنه تحويل ملف اللجوء إلى ملف اقتصادي بدلاً من كونه ملفاً إنسانياً، وخاصة في ظل غياب معايير دولية لهذا الأمر، إضافة إلى كون هذه الخطة تُشكل انتهاكاً سافراً لقواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الإقليمية ذات الصلة. كما أنها تتناقض والتزامات بريطانيا الدولية ومسؤولياتها كقوة فاعلة في النظام الدولي، فإن هذه الخطة تطرح إشكالية التناقض بين خيارَيْ المسؤوليات الدولية والمصلحة الوطنية، ومتى يتم إعلاء أحدهما على الآخر. وأكدت الدراسة أن أحد تناقضات الخطة البريطانية يرتبط بالمعايير التي على أساسها تم اختيار رواندا ملجأ لترحيل طالبي اللجوء إليها، فالحكومة البريطانية نفسها سبق أن عبرت عن قلقها في الأمم المتحدة بسبب القيود المفروضة على حقوق الإنسان، وحقوق الصحافة، والحريات السياسية في البلاد. كما أن مؤشر الحرية في العالم لعام 2022 صنف رواندا على أنها بلد غير حر، حيث بلغت نسبة الحرية في البلاد 22%، وهذه النسبة موزعة بين الحقوق السياسية والحريات المدنية. أوضاع إنسانية صعبة وأوضحت الدراسة أن سياسة رواندا تجاه اللاجئين على أراضيها لا تقوم على الدمج، وإنما يقيم اللاجئون هناك، والبالغ عددهم 127.163 لاجئاً في سبتمبر 2021، في 6 مخيمات في أوضاع إنسانية صعبة كانت سبباً في وقوع ضحايا بين اللاجئين ممن تظاهروا عام 2018 احتجاجاً على نقص الطعام، مما قاد إلى مواجهات مع الشرطة الرواندية، وتدل هذه المؤشرات على الأوضاع في البلاد، والتي ستنعكس على النهج المتبع حيال القادمين الجدد من بريطانيا. وذكرت الدراسة أنه رغم تزايد أعداد طلبات اللجوء إلى المملكة المتحدة وخاصة في عام 2021، فإن حصة بريطانيا من اللاجئين وطالبي اللجوء عالمياً مازالت محدودة للغاية بشكل لا يتناسب مع وضع البلاد اقتصادياً وسياسياً، ففي منتصف عام 2021 بلغ عدد اللاجئين عالمياً 26.6 مليون لاجئ، إضافة إلى 4.4 مليون من طالبي اللجوء، وتُمثّل حصة بريطانيا عالمياً من وجود اللاجئين على أراضيها 0.51%، أما عن حصتها من طالبي اللجوء عالمياً فتُمثّل 1.9%، وذلك في وقت جاء فيه الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في الترتيب العاشر على مستوى العالم وفقاً لإحصاءات عام 2020، وهو ما يتناقض مع طرح المبرر الاقتصادي سبباً لرفض استقبال طالبي اللجوء على أراضيها. وترى الدراسة أن الخطة البريطانية للتعامل مستقبلاً مع طالبي اللجوء تكرس العديد من المبادئ التي تتلاقى في بعض جوانبها مع الاستراتيجية الأوروبية للأمن الإنساني، والتي صدرت في مايو 2005، فكلتاهما ابتعدت عن الجوانب الإنسانية، وقدمتا الجوانب المرتبطة بالمصالح الذاتية على المسؤولية الدولية، كما ركزتا على تصدير المشاكل إلى الخارج.
مشاركة :