نقاد وفنانون تونسيون يقاربون الذاكرة من زوايا مختلفة

  • 5/12/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا إبداع بلا ذاكرة، فالذاكرة هي المعين الأول للمبدع الذي ينهل من طفولته ومن تاريخه الشخصي ومراكمات وعيه ليقدم منجزه. فالإحاطة بالذاكرة وفعل التذكر في تفاعلهما مع فعل التخيّل أمر بالغ الطرافة والأهمية لتأطير العملية الإبداعية ومحاولة فهم تفاصيلها. وهو ما تصدى له معهد الفنون الجميلة بمحافظة نابل التونسية في ملتقى علمي على امتداد ثلاثة أيام. افتتح صباح الثلاثاء العاشر من مايو الجاري بالمعهد العالي للفنون الجميلة بمحافظة نابل التونسية الملتقى العلمي “الذاكرة والخيال في التجارب الإبداعية المعاصرة”، الذي يستضيف ثلة من الباحثين والنقاد التونسيين. ويتواصل الملتقى على امتداد ثلاثة أيام إلى غاية الثاني عشر من مايو، مناقشا قضايا فكرية غاية في الأهمية في ارتباطها بثيمة الخيال وعلاقته بالذاكرة وفي انفتاحه على الفنون الأخرى إضافة إلى الفنون التشكيلية، حيث نجد مداخلات حول السينما والشعر والوشوم والنحت وحتى حول جماليات تاريخية وغيرها. معجم للفنون سامي بن عامر: الغرب هو المصدر الأوحد ونحن العرب الفرع، وهذا خطأ أسقطنا في تبعية افتتح الملتقى بمعرض فني لأساتذة المعهد، قدم خلاله كل منهم عينات من الأعمال الفنية في الرسم والنحت وغيرها ومن ثم تكريم الفنان التونسي محمد بن مفتاح. وبدأت الفعاليات بتقديم كتاب غاية في الأهمية لكل دارس للفنون وحتى محب ومتابع لها، ألا وهو “معجم مصطلحات الفنون البصرية” للأكاديمي سامي بن عامر الذي ناقش أهم أطروحات معجمه وخفايا إنجازه مع الحضور. وبين بن عامر أن معجمه جاء ثمرة جهد امتد لثلاثين عاما خبرها مع الفنون البصرية وتدريسها والكتابة فيها والبحوث حولها، لكنه لا ينكر أن المجال يبقى مفتوحا للإضافة، إذ أن الفنون حية لا تتوقف عن الابتكار والتجدد. وشدد بن عامر على أن المفاهيم مسألة كبرى، مستشهدا مثلا بمصطلح التجريد، الذي ليس له تعريف مطلق، مبرزا حركية الممارسات الفنية إذ لكل ممارسة خصوصياتها، وهذا ما بني عليه كتابه، الذي يوضح أنه التزم فيه المحايدة وطرح الفن في إطاره. وحول مدى التزامه بالمصطلحات الفنية الغربية حيث نشأت، بين المؤلف أن ذلك الالتزام الذي ينادي به البعض يعتبر عقدة في التجربة العربية منذ سبعينات القرن الماضي، إذ ما زال الفنانون العرب وحتى النقاد يعتبرون أنفسهم في تبعية للمدارس الغربية ومصطلحاتها رغم توفر منجز عربي هام، ورغم أسبقية المنجز الفني على المصطلح. ويقول بن عامر “المصطلحات مختلف فيها لكنه من الضروري أن نبحث في تجاربنا”، واستشهد بالتجربة الفنية الهامة في العراق ومصر وتونس، التي تفاعل فيها الفن التشكيلي مع الحرف، كل هذا كوّن، في رأيه، مسارا فنيا عربيا له ميزاته. والعقدة، كما قال بن عامر، هي اعتبار أن الغرب هو المصدر الأوحد ونحن العرب الفرع، وهذا، في اعتقاده، خطأ أسقطنا في تبعية، بينما هناك خصوصية محلية تبرز من خلال الممارسات الجمالية لكثير من الفنانين. وإجابة على أن معجمه العربي يمثل إضافة هامة، بينما المعاجم الأخرى بلغات أجنبية، أكد بن عامر على أهمية اللغات الأخرى، قائلا “الفرنسية فتحت أمامنا مجالات كثيرة واسعة، والفرق بين المغاربيين والشرق أن الفرنسية فتحت آفاقا لهم، والآن ضروري الانفتاح على الإنجليزية أيضا حيث اللغات تتكامل في ما بينها ولا تعارض بينها”. ومن ناحية أخرى شدد بن عامر على ضرورة أن تتجنب الكتابات النقدية في الفنون وغيرها اللغة الفضفاضة والتعقيد، وهو ما رسخه من خلال معجمه. وفي تصريحه لـ”العرب” حول إمكانية طرح المعجم إلكترونيا، اعتبر بن عامر أن عليه قبل ذلك أن يمنح الكتاب الورقي فرصة التداول، مشيرا إلى أن عمله مستمر ولم يتوقف. تأصيل الإبداع تواصلت جلسات الملتقى التي تصب في مجملها في ثيمة الملتقى التي تتوزع على ثلاثة محاور كبرى، بداية بـ”مقاربات تاريخية لرصد تطور المفاهيم (الإبداع والذاكرة والخيال)”، فيما خصص المحور الثاني لـ”الرهانات الفكرية والفنية لثنائية الذاكرة والخيال”، أما ثالث المحاور فكان لـ”التجارب الإبداعية المعاصرة”. ووفق بيان المنظمين فقد انطلق الملتقى من أسئلة راهنة ومثيرة بداية من كيف تصبح الذاكرة مصدرًا للخيال في التجربة الإبداعية؟ وكيف يستعيد الفنان المعاصر تجربة التخييل إمكانية بناء التاريخ وقدرته على تشكيل معالم الزمن الآتي؟ لتكون تلك الأسئلة منطلقات إشكالية مركزية بدأ من خلالها الأكاديميون والباحثون من مختلف الاختصاصات ترشيح مداخلاتهم، التي اختارت منها اللجنة العلمية ما يتواءم مع الثيمة المطروحة، رغم زخم المشاركات التي أشاد مدير المعهد مروان الماجد بأهميتها. ومن المداخلات قدم الأكاديمي كمال عبدالله مداخلة حول “خطاب الصورة وخيالات الذاكرة” من خلال قراءة في تجربة الفنانة هالة عمار، كما قدمت الأكاديمية أميرة بوعشير مداخلة حول الممارسة الفنية للفنانة التونسية نجاة الذهبي، بينما تناولت الأكاديمية والفنانة ربيعة رنيشي في ورقتها موضوع “الذاكرة الطفولية ومشهدية المتخيل في تجربة الفنانة ريم يوسف”، إضافة إلى مداخلات أخرى في هذا التوجه الذي يكرس الاحتفاء بتجارب الفنانين التشكيليين التونسيين على اختلاف انتمائهم الجيلي والفني، ويضيء على تجاربهم في خطاب نقدي متكامل وواع بعيدا عن الإسقاطات التي شابت الكثير من الكتابات حول الفن التشكيلي في السنوات الأخيرة. ◙ كيف تصبح الذاكرة مصدرًا للخيال في التجربة الإبداعية؟ وكان من أهم محاور الملتقى الذي جمع متدخلين من اختصاصات مختلفة من فنون وأدب وعلم نفس وحتى مجالات اقتصادية حلقة نقاش التأمت صباح الأربعاء بعنوان “الإبداع في مربع الذاكرة، الخيال التفكير والتجربة أسئلة ومقاربات” طرحتها الأكاديمية والشاعرة التونسية أسماء الغيلوفي والتي كانت فرصة لفتح باب الحوار والجدل حول أهمية الذاكرة والخيال وتعلق الفنون بمجال علم النفس علاوة على ضرورة التجديد في رؤانا للفن وطرق تسويقه ووظائفه التي تتجاوز المعطى الجمالي والشعري إلى ما هو أبعد اليوم في ظل تحول الفنون إلى سوق حقيقية. إن نقاش مسألة الذاكرة وعلاقتها بالخيال محور أساسي اليوم في ربط الفنون ببيئتها الأولى، ذاكرة المبدع، بما تختزنه من تاريخ شخصي حافل بالتقاطعات مع التاريخ الجماعي بالضرورة، فالإبداع ليس وليد الفراغ أو الصدفة بل هو من صميم الذاكرة حتى وهو يتمرد عليها، تبقى هي مادته الخام. الذاكرة منطلق الخيال وفي استعادة دورها في العملية الإبداعية نوع من التأصيل للعملية الإبداعية لا في ذات المبدع فحسب بل وفي بيئته كذلك.

مشاركة :