أجريت الانتخابات الداخلية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي قبل أيام قليلة، وفاز فيها فريد زهران برئاسة الحزب للمرة الثانية، وهي الانتخابات التي رآها مراقبون مختلفة هذه المرة، حيث شهدت منافسة حادة مع مرشحين آخرين، وجاءت عقب دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى إجراء حوار وطني مع جميع القوى والأحزاب قد يمهد للقيام بإصلاحات سياسية حقيقية. ويرى مراقبون أن الديمقراطية في الأحزاب المصرية غير راسخة والتجربة مازالت غير ناضجة بسبب الحصار الذي تعرضت له على مدار عقود. وهو رأي يتفق معه زهران الذي قال لـ”العرب”، “يوجد تجريم للعمل السياسي منذ عام 1954 وسادت سياسة الحزب الواحد عبر هيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي خلال فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وعندما سمح أنور السادات بتأسيس الأحزاب وصفت بالتعددية المقيدة، ونعيش في ظلها الآن”. ونفى رئيس الحزب المصري في حواره مع “العرب” وجود تكافؤ فرص بين الأحزاب الحالية؛ فهناك حزب يتمتع بالحظوة، جاء في البداية تحت اسم “حزب مصر” ثم أضحى “الحزب الوطني”، وفي الوقت الراهن صار “مستقبل وطن” و”الشعب الجمهوري” و”حماة وطن”، وهي أحزاب موالاة تعامل معاملة خاصة، بينما الأحزاب الأخرى تعامل كدرجة ثانية، وهذا هو شكل المشهد السياسي في مصر طوال الوقت، ولا وجود لتجربة ديمقراطية غنية أو تداول للسلطة. تفاعل كبير وتفاؤل حذر ◙ المساجين السياسيون ورقة تنغص أجواء الحوار ◙ المساجين السياسيون ورقة تنغص أجواء الحوار بعد انطلاق دعوة الحوار الوطني أخيرا بدأ الحزب المصري الديمقراطي يتفاعل معها، ويرى أنها تقوي المشهد العام، ومهمة الحزب أن يجني الثمار التنظيمية للتفاعلات ويعيد بناء هياكله بصورة تنسجم مع التطلع إلى حياة سياسية سخية. وانطلقت دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الحوار الوطني على هامش إفطار الأسرة المصرية قبيل نهاية رمضان الماضي، واستقبلها البعض بالترحيب والبعض الآخر بترقب وحذر، وكان الحزب المصري الديمقراطي من أوائل الأحزاب التي مدت الجسور بينها وبين السلطة منذ سنوات واستطاع حصد عدد من مقاعد البرلمان عبر التحالف مع قوائم انتخابية لأحزاب موالية للحكومة. وقال فريد زهران في حواره مع “العرب”، “ندعو إلى الحوار منذ سنوات، فهو الأساس وقوامه المجال العام بما يحتويه من جمعيات أهلية ونقابات عمالية وأحزاب سياسية، ما يوفر تفاوضا اجتماعيا؛ فالنقابات تفاوض أصحاب الأعمال من أجل الأجور، وبيئة العمل والجمعيات تفاوض مؤسسات الدولة المختلفة كل في مجاله، والأحزاب تفاوض السلطات للوصول إلى مواءمات في الملفات السياسية والاقتصادية”. واعتبر أن تجميد الحوار في المجتمع معناه تجميد الحياة السياسية، ما يدفع الشباب إلى الانحراف أو الانضمام إلى جماعات متطرفة، فالوضع الراهن به جمود في الحياة السياسية، والمجتمع بلا رئة يتنفس بها، ولا توجد آليات لحل مشكلاته، لذا فالحوار هو آلية تسمح بحل مشاكل المجتمع دون حدوث صدامات أو انفجارات. وخرجت موجة من التشكيك في جدية دعوة الرئيس المصري مع اتهامات من قبل بعض قوى المعارضة تشير إلى أن الحوار يظهر هذه الدعوة في شكل ديكوري غرضه تجميل وجه السلطة لا التوصل إلى قواسم حقيقية تنعش الحياة السياسية. وأبدى فريد زهران رفضه لهذه الطريقة من التفكير، قائلا “لا أحكم على الأمور والأوضاع بالنيات، والحديث عن التفاوض السياسي يعني تحقيق مصالح للطرفين، فلا يوجد تفاوض يفضي إلى مصلحة طرف دون آخر. ومع افتراض صحة فكرة أن النظام يتجمل، ما العيب في ذلك؟”. والسؤال المحوري الذي طرحه زهران هو “هل أنا مستفيد أم خاسر؟ وأنا أرى أنه لا يوجد حوار سياسي يتم بين طرفين ويخرج أحدهما رابحا والآخر خاسرا تماما وإلا تحول إلى إملاء وليس تفاوضا، ولا بد من تحقيق مكاسب، وقد يختلف البعض حول حجم وقدر هذه المكاسب”، مؤكدا أنه يدعم الحوار وعملية التفاوض الاجتماعي ويعتبر نفسه إصلاحيا ويعمل وفق ذلك. وتتعدد التفسيرات حول الحوار الوطني ولا أحد يعلم على وجه التحديد حجم ما سيسفر عنه من تغييرات، لكن زهران أعرب عن تمنيه أن يفضي إلى تغيير كبير في اتجاه الإصلاح السياسي، قائلا “أتوقع -وأنا بطبعي لست متفائلا- أن تكون التحديات كبيرة للغاية وأن تكون القوى الرافضة للحوار داخل كواليس النخبة الحاكمة كبيرة. وإيمان دوائر الحكم -على تعددها- بالحوار وآليات التفاوض الاجتماعي ليس راسخا، ومازالت هناك أصوات مرتفعة داخل دائرة السلطة ترى أن البلاد ليست مستقرة أو آمنة بما يكفي، والحل هو تشديد القبضة الأمنية”. وأضاف “هذه اللغة والروح لا تشيان بإمكانية تحقيق نتائج باهرة، لكن ما عسانا فعله هو المحاولة، فلا توجد حلول أخرى، ولا أعلم قدر المكاسب التي سيتم تحقيقها، وأنا أنخرط في العملية الحوارية وأتطلع إلى أهداف كبرى قد تنتهي إلى تحقيق تلك الأهداف”. شروط الحوار وقواعده ◙ الإصلاح يعني وجود نقابات وجمعيات وأحزاب مستقلة وأن يتوفر مبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب ومساواتها أمام القانون حول الشروط والقواعد التي يراها فريد زهران ملائمة لنجاح الحوار الوطني المرتقب قال “أرفض منطق الشروط وأرى أنه قد يجهض الأمور قبل بدايتها، وينبغي ألا نحمّل الحوار ما لا طاقة له به من حيث سقف توقعاتنا، فلن يحدث أن يتم هذا الحوار بشروطي وطلباتي وما أراه بالكامل، فأنا لست متحكما في آليات وتوقيتات وأطراف الحوار، نحن طرف في عملية، وكل ما أقوله هو كيفية التفاعل سويا، وأقصد الأحزاب القريبة منا والأحزاب المختلفة ودوائر السلطة، وتبحث كل الأطراف عن أجواء مناسبة لنجاح الحوار، وهذا هو التحدي”. وأكد على ضرورة تحقيق الأجواء المناسبة كي ينجح الحوار، وهي مسؤولية مشتركة، وتتمثل في عدة أشكال؛ إذ يرى أن “وجود أشخاص في السجن يعكر الأجواء ولا بد من خروج المحتجزين، بالإضافة إلى عدم استخدام المعارضة للغة عصبية أو صدامية مع النظام، فكل طرف لديه تصورات يمكن أن نحققها سويا دون اشتراطات، لأن الشروط المستحيلة تجهض الحوار وتهوي بكل الأطراف إلى منحدر”. ويلاحظ متابعون غياب ضمانات بشأن التزام السلطة بمخرجات الحوار الوطني، وهو ما جعل فريد زهران يشدد على أن هذا يتوقف على عوامل عدة، فالضمان هو مدى حضور أطراف الحوار في المشهد وديمومته. ورغم دعوات الحوار الوطني الساخنة مازال مستقبل الإصلاح السياسي في مصر ضبابيا، ويرى زهران أن الإصلاح يعني وجود نقابات وجمعيات وأحزاب مستقلة وأن يتوفر مبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب ومساواتها أمام القانون، وألا تتعامل الأجهزة الأمنية مع الأحزاب عبر تصنيفها درجة أولى وثانية وإقصائها خارج المشهد، فلا بد من قبول كل الأحزاب ومعاملتها بنفس القدر من المساواة. وشدد على ضرورة وجود آليات للتفاوض الاجتماعي، متمثلة في حرية الرأي والتعبير وحق التنظيم والاحتجاج السلمي، وهذا هو لب الإصلاح السياسي، مضيفا “نريد الاتفاق على آليات إدارة الخلاف، فالإصلاح يعني حياة سياسية وآليات لإدارة الخلاف فيما بيننا بالأدوات والمؤسسات السياسية”. وحول رؤيته لمستقبل أحزاب المعارضة في مصر بعد سنوات من التهميش والتضييق قال لـ”العرب”، “لا يوجد أمل للبلاد إلا بوجود أحزاب قوية، فالمعارضة الضعيفة تعني أن النظام ضعيف، واتهام الأحزاب بأنها بلا شعبية يستتبعه السؤال: وهل أحزاب الموالاة لها شعبية في الشارع؟ فأحزاب المعارضة ضعيفة بسبب الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها، ومن المؤسف القول إن هناك خلايا كاملة للإخوان ومن لف لفهم في الشوارع والحواري والعشوائيات، وأين نحن من ذلك؟ نعم الأحزاب المعارضة ضعيفة والموالاة أيضا ضعيفة، لأن الأحزاب تقوى في حالة وجود حياة سياسية حقيقية”. ترتيب البيت من الداخل فريد زهران: لا يوجد حوار يتم بين طرفين ويخرج أحدهما رابحا والآخر خاسرا وفريد زهران هو أحد قادة الحركة الطلابية في سبعينات القرن الماضي، ومن أبرز العاملين في مجال العمل الأهلي والمجتمع المدني بمصر، ومن أبرز مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي عام 2011، وتولى منصب رئيس الحزب عام 2016 خلفا للدكتور محمد أبوالغار، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى منذ أيام. ولفت في حواره مع “العرب” إلى أن “المرات الثلاث التي أجريت فيها انتخابات على رئاسة الحزب مثلت تجارب ديمقراطية تنافسية ونزيهة، فالأولى جمعت بين توافر درجة مرتفعة من المنافسة والحدة، والثانية تم إجراؤها في أجواء ديمقراطية كاملة، والثالثة لم تفض إلى انهيار أو تصدع في الحزب، على الرغم من أجواء المنافسة المحتدمة، وفي كل مرة تطرح مخاوف حول استمرار الحزب، حيث تصدعت أحزاب أخرى جراء العمليات الانتخابية المختلفة”. وقال “في كل عملية انتخابية هناك رابح وخاسر، ونظرا إلى غياب الأحزاب القوية أو الديمقراطية الراسخة بما يكفي تترتب على الانتخابات تراشقات من هنا وهناك، قد تفضي إلى أن يشعر الخاسر بأنه أُهين بشكل شخصي أو لم يعد له مكان أو غير قادر على العمل في الأجواء الجديدة”. وأشار فريد زهران إلى أنه بإمكان الناجحين التصرف بشكل انتقامي وإقصائي ضد الخاسرين، لكن ثمة مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الطرفين، وعلى الخاسر أن يتحمل النتيجة بشكل عقلاني، ويتحتم على الرابح أن يكون حريصا على التعاون مع الجميع، وينبغي على كل قيادة حكيمة أن تراعي الأطراف الأخرى وتظل حاضرة في المشهد دون إقصاء. وأوضح أن حزبه خاض ثلاث انتخابات خلّفت بعض الرواسب والآثار السلبية والخسائر والاستقالات، لكن الحزب مستمر، ولا يعني عدم تغيير رئيسه الآن أنه يحافظ على كل قياداته القديمة، فقد تبدلت وجوه كثيرة كانت في صدارة المشهد خلال الدورة الماضية ودخلت أخرى شابة وواعدة. بعد انطلاق دعوة الحوار الوطني أخيرا بدأ الحزب المصري الديمقراطي يتفاعل معها، ويرى أنها تقوي المشهد العام وكشف فريد زهران أنه كان من المفترض التقدم في استكمال خطوات البناء على ما تم تحقيقه داخل الحزب من قبل في ظل الدور الذي لعبه حزبه في ثورة يونيو 2013 والتخلص من نظام الإخوان، حيث شارك في أول وزارة، وكان رئيس الوزراء حازم الببلاوي عضو مجلس أمناء الحزب، ونائب رئيس الوزراء زياد الدين بهاء العضو المؤسس بالحزب. وتابع “سرعان ما عادت قوى الدولة القديمة إلى صدارة المشهد وحدث تراجع للحياة السياسية مع ممارسة الحصار والتضييق على الأحزاب، ودبت خلافات كبيرة بين الحزب والنظام الحاكم في عدد من الملفات المهمة، أدت إلى انحسار الحزب وتآكل عضويته وبنيته التنظيمية”. وبعد ذلك حدث انفراج جزئي في المشهد عندما وافق الحزب على عرض الانضمام إلى القائمة الوطنية الموحدة في الانتخابات البرلمانية الماضية وفقا لما تصوره أنه وضع مناسب آنذاك، وحصل على بعض المقاعد (7 في مجلس النواب و3 في الشيوخ)، ما منح الحزب فرصة للحركة والوجود والعودة إلى النشاط وافتتاح المقرات مرة أخرى.
مشاركة :