تونس – ألقى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بثقله السياسي والمعنوي، في مسعى لنزع فتيل الانفجار الاجتماعي الذي بدأت مفاعيله تتراكم على وقع الاحتجاجات الشعبية التي اتسعت دائرتها خلال الأيام القليلة الماضية، وسط مخاوف مُتصاعدة من انزلاقات أمنية قد تُهدد السلم الاجتماعي في البلاد. وترأس الرئيس السبسي الجمعة، اجتماعا هو الأول من نوعه منذ مايو الماضي، بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الذين يتحملون بشكل أو بآخر مسؤولية تدهور الأوضاع الاجتماعية في البلاد ووصولها إلى درجة خطيرة من الاحتقان والتوتر. وشارك في هذا الاجتماع رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، والأمين العام لحركة مشروع تونس، محسن مرزوق، ورئيس كتلة الائتلاف الوطني، مصطفى بن أحمد، إلى جانب رئيس البرلمان، محمد الناصر، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، ورئيس منظمة أرباب العمل، سمير ماجول. وقالت الرئاسة التونسية في بيان، إن الرئيس السبسي “شدّد خلال هذا الاجتماع الذي خُصص لبحث مستجدات الوضع العام بالبلاد، وأساسا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، على تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وما رافقه من ارتفاع لمنسوب الاحتقان والتوتر السياسي، في ظرف أمني يتسم بالدقة ويشهد محاولات متكررة لاستضعاف الدولة وتهديد كيانها، بما لا يبشر بانفراج سريع للأوضاع وقد يفتح الباب أمام المزيد من المخاطر والتحديات”. وأضافت أن الرئيس السبسي، أكد على “ضرورة مواصلة الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية، والترفع عن الحسابات السياسية الضيقة، وإيجاد حلول جذرية كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة”. كما دعا أيضا إلى “اتخاذ القرارات الشجاعة والجريئة الكفيلة بإعادة الأمل للتونسيين وصيانة المسار الديمقراطي وحماية الدولة من الأخطار المحدقة بها، مع الولاء فقط لتونس والمصلحة العليا لشعبها”.وقلل مراقبون من قدرة الاجتماع على نزع فتيل الغضب الشعبي المتزايد، لا سيما وأنه عجز عن طمأنة الشارع إذ خلا البيان الختامي من أي مقترحات حلول من شأنها إرضاء الطرف النقابي (اتحاد الشغل) الذي مازال مصرا على تنفيذ إضراب عام منتصف يناير المقبل. ويعكس هذا الاجتماع الذي جاء على وقع التناقض في الرؤى بين الأطراف السياسية والاجتماعية المذكورة، والتذبذب الذي اتسمت به مواقف الحكومة، والأحزاب الدائرة في فلكها، مدى خطورة الوضع في البلاد. وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى التحرك، بحثا عن مخرج يُجنب البلاد الانعطاف نحو مأزق حاد قد تكون انعكاساته كارثية. وقالت مصادر مُقربة من القصر الرئاسي لـ”العرب” إن الرئيس السبسي بادر بالدعوة إلى هذا الاجتماع لتحميل مختلف الأطراف السياسية مسؤولية هذا الوضع الذي وصفته بـ”الخطير”، خاصة بعد اتضاح الاصطفافات السياسية التي عكسها الائتلاف الحزبي الداعم لرئيس الحكومة، وذلك في إشارة إلى حركتي النهضة الإسلامية ومشروع تونس، إلى جانب حزب المبادرة برئاسة كمال مرجان. وبحسب تلك المصادر، فإن الرئيس السبسي “معني بصفته رئيسا لكل التونسيين، بالتحرك لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية والاجتماعية”، لا سيما وأن السياق السياسي الراهن الذي يتسم بهروب الحكومة إلى الأمام، مدعومة من حركة النهضة الإسلامية التي تحولت مواقفها الرافضة للاحتجاجات الشعبية المشروعة، إلى ما يُشبه “الهستيريا”، من شأنه تعميق الأزمة التي اقتربت كثيرا من الانسداد. غير أن سامي الطاهري، الأمين العام المساعد المكلف بالإعلام في الاتحاد العام التونسي للشغل(أكبر منظمة نقابية في البلاد)، أكد في تصريحات له، أن اجتماع قصر قرطاج “لن يُخصص لملف المفاوضات الجارية في الوظيفة العمومية”. وأضاف في تصريحات له قائلا “على ما يبدو، فإن الاجتماع سيُخصص للوضع العام في البلاد، وخاصة الوضع الأمني، ويبدو أن لرئيس الدولة معطيات يريد اطلاع الأطراف المشاركة فيه، عليها”.وبالتوازي، لا تُخفي بعض الأطراف السياسية الأخرى خشيتها من أن يكون هذا الاجتماع، مُجرد “مناورة سياسية” جديدة الهدف منها “حشر الائتلاف الحكومي” في الزاوية عبر تحميله مسؤولية تردي الأوضاع، وتأزمها، ووصولا إلى تعميق الخلافات داخله حتى يسهل الإطاحة بالحكومة الحالية. ويجد هذا الرأي صدى له لدى بعض القوى السياسية القريبة من الحكومة، وكذلك أيضا حركة النهضة الإسلامية، حيث تُشير إلى أن الائتلاف الحاكم بتركيبته الحالية “هش”، ولن يكون بمقدوره الصمود أمام التباينات الحادة في المقاربات السياسية والاجتماعية، إلى جانب الخلافات التي تُبرزها الحسابات المُرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية القادمة. ويستند هذا الرأي، إلى جملة من الدلائل والمعطيات التي تُؤكد أن حركة النهضة لها حسابات تختلف عن حسابات يوسف الشاهد، كما أنها تتناقض مع حسابات حركة مشروع تونس التي تختلف هي الأخرى في عدد من العناوين مع كتلة “الائتلاف الوطني” الموالية للشاهد، الأمر الذي يُسهل اختراق هذا الائتلاف، وبالتالي زعزعة أركانه بما يُسهل “التخلص” من الشاهد، والذهاب إلى حكومة جديدة توكل لها مهمة تأمين إجراء الانتخابات في موعدها. وأيا كان الهدف من هذا الاجتماع، فإن توقيت عقده الذي أملته التطورات السياسية والاجتماعية المتسارعة، يحمل بين طياته، رسائل عديدة تستدعي قراءة مُتوازنة لها صلة بالخلافات الحادة بين قصري قرطاج الرئاسي، والقصبة الحكومي، خاصة وأن المشهد العام في البلاد مُقدم على توازنات جديدة بدأت ملامحها تتبلور وسط الاحتجاجات الاجتماعية المُتصاعدة التي تُنذر بعاصفة قد تنسف التوازنات الراهنة.
مشاركة :